نجلاء بودن … المرأة التي نعرف وجهها ولا نعرف وِجهتها

تواصل حكومة بودن استنساخ سياسات الفشل التي سبقتها…فنجلاء بودن لا تعير اهتماما لأي وعد من وعود مولاها ساكن قرطاج، وهو الذي أغرق أنصاره وأتباعه وبقية هذا الشعب بوعود واهية فضفاضة لا أحد نجح في فكّ شفرتها، علما بأنه على بيّنة من أنه لن يحقّق منها شيئا حتى وإن انتخب رئيسا وملكا على البلاد مدى الحياة

الغريب أن نجلاء بودن وكما يقول المثل العامي في بلادنا “داخلتها فركة وعود حطب” لا تمتلك أية رؤية سياسية للخروج بالبلاد مما هي فيه، فهي مجرّد أداة تنفيذ لما يقرّره ساكن قرطاج، والأغرب أن ساكن قرطاج لم يقرّر شيئا من خلال ما اشبعنا به من خطب وتوجيهات منذ وصوله إلى قرطاج…فلو نفّذت ما جاء في خطب ساكن قرطاج لأمرت بسجن نصف هذا الشعب، وكل خصوم مولاها بتهمة الفساد، فخلال قرابة السنتين لم نستمع من ساكن قرطاج غير خطب الشيطنة وضرب الخصوم، دون تقديم ما يثبت ويؤكّد الكمّ الرهيب من اتهاماته لهم…ساكن قرطاج لم يتحدّث يوما عن التنمية ولا عن الاقتصاد، ولا حتى عن الصحة ولا عن الشؤون الخارجية

فبعد أن أصاب بالشلل نصف مرافق الدولة بتعطيله المعلن لكل الحكومات التي سبقت حكومة نجلاء رغم أنه اختار من يرأسها…أغرقنا وأغرق أسماعنا بخطب شيطنة خصومه، وشحن أتباعه لإيجاد مبررات ما أتاه يوم 25 جويلية…فهل تغيّر حالنا يا ترى بعد ذلك التاريخ؟ وهل وجدت ساكنة القصبة في برامج مولاها ما يُشفي غليلها وغليل بعض وزرائها غير خطب الشيطنة، وضرب الخصوم، وهل بتلك الخطب سنخرج البلاد مما وصلت إليه؟ وكيف لها أن تترجم تلك الخطب إلى برامج تنموية وإصلاحات اقتصادية في العمق؟

وهنا وجب أن نسأل ما هو برنامج ساكن قرطاج للخروج بالبلاد مما هي فيه؟ هل حقّا جاء ببرنامج لذلك؟ هل يكفي ضرب الخصوم وقطع الطريق أمامهم للعودة إلى الحكم لإنعاش اقتصاد البلاد؟ وهل يكفي وضع بعض الخصوم في السجن بتهم واهية لخلاص ديوننا الخارجية؟ وهل يكفي تجميد مجلس نواب الشعب لتشغيل مئات الآلاف من العاطلين؟ وهل يكفي تعديل الدستور وتغيير بعض فصوله على مقاس ساكن قرطاج لتحقيق نسبة إيجابية من النمو؟
لا لن تكفي كل هذه الإجراءات لتغيير أوضاع البلاد…وسنواصل الغرق من فشل إلى آخر ما لم نعد إلى العقل والمنطق، ونبتعد عن سياسات الانتقام والثأر ومحاولات تدجين كل الخصوم ومكوّنات المشهد لصالح حكم الفرد الواحد…فما يقع اليوم في تونس هو محاولة جدّية وبكل الطرق والأساليب لسيطرة ساكن قرطاج على كل مفاصل الدولة والحكم، وإقصاء كل من حكموا البلاد قبل وصوله إلى قرطاج بحجة فسادهم و”عراكهم” تحت قبّة المجلس…فلا أحد ممن حكموا البلاد قبل وصول ساكن قرطاج إلى كرسي بورقيبة العظيم دخل السجن من أجل فساد أو من أجل سوء تصرف ولا أحد منهم حوكم من أجل إفساده في الأرض … فهل جاء ساكن قرطاج إلى قرطاج دون أي برنامج لإنقاذ البلاد؟ وهل أتى ما أتاه وانقلب على شركائه يوم 25 جويلية فقط للاستحواذ على الحكم دون برنامج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟

أظنّ أن ساكن قرطاج وقع في نفس الخطأ الذي وقعت فيه النهضة حين حكمت البلاد سنة 2011…فحكم البلاد ليس بالأمر الهيّن ولا بالفسحة…و ليس بالشعارات والصراخ والخطب الرنانة وتهديد الفاسدين وشيطنة من سبقونا في الحكم، سنوفّر حاجيات هذا الشعب الذي عانى من التخريب والهدم طيلة عشر سنوات وأكثر…فدون برنامج اقتصادي واجتماعي مدروس بدقّة من كبار كفاءات البلاد، ودون إصلاحات في العمق وإن كانت موجعة في بعض جزئياتها لن ننجح في الخروج من أزمة خانقة قد تعصف قريبا بالبلاد 

وكأني بساكن قرطاج راهن فقط على خطبه وعلى “بعض” بلاغته في بعض الأحيان لينسينا بورقيبة العظيم أو بن علي الوطني الغيور رحمهما الله…ونسي أن بورقيبة صنع دولة وبنى أمّة وأخرجها من الجهل والخصاصة باختياره لثلة من رفاقه والعشرات من الكفاءات التي سيذكرها التاريخ وقد لا يذكره هو الذي وجد أرضا خصبة للإصلاح والتنمية…ونسي أن بن علي رحمه الله واصل سياسات بورقيبة ولم يقطع كما فعل هو مع الماضي فواصل البناء، ولم يحقد على خصومه كما فعل هو بل أنقذ بعضهم من الإعدام …فلم نستمع يوما بن علي يشيطن خصومه ويشتمهم على الملأ…فكل خطبه كانت تدعو لإشاعة روح العمل والمثابرة…وكان يدعو دائما لإدخال تقنيات حديثة وسريعة تحقق الأرباح والحوافز للبلاد وللعاملين، لتمكنهم من تجاوز الصعوبات في حياتهم…وكان شديد الحرص على أن يبعث في كل الفئات والقطاعات روح التفاؤل بوطنهم.. وقد كان رحمه الله يصرّ على أن جميعنا بحاجة الى أن نتفاءل بوطننا، وبحاجة إلى أن نشعر أنه وطننا نحن، ولسنا فقط مجرد أرقام في تعداده السكاني 

كانت تونس قبل 14 جانفي وردة، وكان بورقيبة رحمه الله البستاني الذي غرسها رغم ما أخطأ فيه، وجاء بعده بن علي ليواصل الاعتناء بها حتى كبرت رغم الكثير من أخطائه…فجاء الوندال والتتار فحكموا البلاد…فذبلت تلك الوردة وماتت… والغريب أن أتباع قيس سعيد والكثير ممن صدّقوا رواية 25 جويلية تصوّروا أنه سيكون البستاني الذي تأثر ببورقيبة العظيم، وأنه جاء ليعيد الحياة للوردة التي ذبلت بسبب ما صنعه الوندال والمغول والتتار…وكان جميعهم ينتظرون أن يعود الوطن حقل ورود وأزهار يعيش فيه كل الشعب في أمن وأمان…لكن خاب ظنّهم وظنّ البقية…فلا الوردة عادت إليها الروح ولا الحقل أزهر…وكأني بالزمن وقف…وكأني بساكن قرطاج جاء ليشدّه إلى الخلف لا ليتقدّم به نحو أفق أرحب…وكأني بحركة التاريخ وقفت عند وهم خلناه حلما جميلا…فهل جاء قيس سعيد إلى قرطاج خالي الوفاض دون برنامج إنقاذ، وماذا ستفعل نجلاء بودن دون برنامج ممن اختارها للقصبة؟

سلامة حجازي