من ينقذ الطفولة في تونس؟

لمجتمع التونسي في أزمة بسبب عوامل عديدة من بينها تردده بين مشروعين لم يستطع أن ينخرط في أي منهما انخراطا كاملا، فبين

زينب التوجاني

المشروع « الإحيائي » الماضوي الذي يرفع شعارات خارج التاريخ والعصر وبين المشروع التحديثي المتجدّد الذي يرفع شعار أن تكون ابن عصرك وزمنك تتأرجح قوى المجتمع في تدافع بشّر به صاحب نظرية التدافع منذ أطل علينا في 2011

والطفولة مرآة هذا المجتمع المأزوم وهي في تونس مهددة والدولة في تخل متواصل عن أدوارها، لقد ارتفعت مظاهر العنف المسلط على الأطفال وتنوعت أشكاله والدولة شبه غائبة والأزمات السياسة عامل من العوامل التي ضاعفت مآسي الطفولة التونسية ومن ورائها مآسي العائلة والمجتمع . وفي الندوة التي تمحورت حول الطفولة ونظمتها آرشوك لاحياء ذكرى شكري بالعيد واحتضنتها دار الثقافة ابن رشيق يوم 26 مارس الماضي، أطلقت الدكتورة أحلام بالحاج طبيبة النفس المختصة في الأطفال صيحة فزع معبرة عن ارتفاع مهول للعنف ضد الطفل والنساء وغياب شبه تام للخطط واستراتيجيات الوقاية والمتابعة باستثناء جهود مجتمعية وفردية لا تفي وفي ظل غياب الإمكانيات المادية اللازمة للاعتناء بالطفل والمراهق والنّساء اللواتي بلا سند. خاصّة بعد عام الوباء وما ترتّب عنه من تفاقم لمظاهر الأزمة المجتمعيّة بكلّ أنواعها

وتشير النّسب إلى قرابة 80 بالمائة من الأطفال المعنّفين في تونس وبين هؤلاء 94 بالمائة من الذين يشكون أمراضا نفسية او تراجعا مدرسيا هم من ضحايا العنف بشتى أنواعه. ولو حاولنا البحث في أسباب هذه النسب الفظيعة وعلاقتها بالتحولات السياسية والاجتماعية لوجدنا رابطا شديدا بين العنف الذي تواجهه النساء والعنف ضد الأطفال والإهمال الذي يعيشه بعض الأطفال والأزمة السياسية والاقتصادية التي يعانيها المجتمع. فالعنف المتفاقم يعبر عن تطبيع المجتمع التونسي معه وكأن العنف أمر مفروغ منه وكأنه وسيلة من وسائل التنشئة والتربية والتعليم أوكأنه شكل من أشكال التواصل بين البشر وداخل العائلة. ولكل هذه الممارسات المنتشرة في المجتمع علاقة وطيدة بالثقافة التي يتمّ ترويجها وهنا مربط الفرس فعوض أن نمضي في اتجاه التربية على حقوق الإنسان والكرامة التي رفعتهما شعارات شباب الثورة التونسيّة يتم التطبيع مع العنف والقهر والاحتقار بمسمى التربية والتنشئة ولكنها تنشئة تقوم على الصدام والصراع بين مشروعين مجتمعيين: مجتمع المواطنة ومجتمع الطاعة والعبودية. فأما التربية على المواطنة واحترام الطفل والمراة وذاتهما وكيانهما فانها مشروع ثقافة التحديث والعصرنة واما التربية على اضربوهم أبناء عشر وحين تضربوهم فضربا لا يكسر عضما ولا يجرح جلدا كما يفتي بذلك شيوخ على الآباء فإنها مشروع ثقافة العبيد والطاعة والقوامة والتمييز. وفي تونس ومنذ تحرر الدعاة والحركيين والناهين عن الذي يسمونه منكرا والداعين الى ما يسمونه خيرا ونحن أمام تدافع بين فكرين ومشروعين يحمل كل واحد رؤية للإنسان مشروع يرى في الطفل ورقة بيضاء يكتب عليها باكرا ما يشاء فتتوجه نحوه الجمعيات المريبة تعمل على غرس قيم الطاعة فيه غرسا ومشروع يرى أنه كيان مستقل وله حقوق ولكن هيهات كيف سيواجه الطفل التونسي هذا المد السلفي والثقافة التكفيرية والحملات الظاهرة والخفية لتعطيل ملكة التفكير لديه وفي تقارير اليونسيف لسنة 2020  ، نجد 80 بالمائة من أطفال تونس لا مهارت حسابية لديهم و40 بالمائة لا مهارات قراءة لديهم والوباء ضاعف هذه المشاكل وازداد الانقطاع المدرسي وتراجعت الأنشطة الترفيهية وغابت المحاضن التي كانت البلديات تؤازر فيها العائلة وازدادت حرية الانتصاب للحساب الخاص دون آليات مراقبة حقيقية وفي ظل تطبيع المجتمع مع ثقافة العبودية المسماة « تربية حميدة » وفي ظل ازدياد الفقر واستفحال انعدام وعي الساسة وأمام مظاهر الردة التي تهدد المجتمع يلحّ السؤال التالي: من ينقذ الطفولة التونسية؟ من ينقذ المجتمع التونسي؟

بقلم زينب التوجاني