مقاصد الشريعة : الحرقوص منقض للوضوء

كنت في هذا الصباح مستمعا في السيّارة لقناة تونسيّة يفسّر فيها واحد من المفتيين للنّاس أنّ الحرقوص ناقض للوضوء لأنّ الحرقوص و غيره ممّا شابهه من أسباب الزينة مانع للماء من الوصول إلى الجلدة و تكون الصلاة بهذا الشكل باطلة. و أنا لا أريد أن أشكّك في نوايا هذه القناة الإذاعيّة و أنا لا أريد أن أقطع على هذا المفتي خبزته و إشعاعه و أنا لا أريد أن أتوهّم زوال مثل هذا الضرب من الإفتاء بزوال دعاته و فارضيه على ساحتنا الدّينيّة و السيّاسيّة و إنّما أريد أن أصل هذا الإفتاء في الدّين بمقاصد الشريعة و أن أرى فيه انحرافا بمقاصد الدّين عن غاياتها

و لا أحبّ أن أخوض في اختلاف الفقهاء و المفسّرين في سنن الوضوء و تراتبها و شروطها و نقائضها و إنّما أريد أن أذكّر بأنّ شرط الوضوء الأوّل و الأهمّ هو النيّة أي عقد النيّة على أنّ هذا الاغتسال بالماء لا تراد منه مجرّد النظافة بل يراد منه التوجّه إلى الله، و أذكّر بأنّ الله قد يسّر على عبده المريض أو المسافر و يسّر على فاقد الماء فاكتفى منه بأن يتيمّم صعيدا طيّبا من تراب أو رمل أو حجارة. فكانت مقاصد الإسلام هي وجه الله و لم يكن الوضوء و لم يكن الماء إلاّ ضربا من التهيّؤ و الاستعداد للصلاة فهي المقصد و الوضوء و الماء هما المحلّ الثاني

فإلى متى هذا التوسّط السّخيف بين العبد و ربّه؟ و إلى متى هذا التشويه لمقاصد الإسلام؟ و إلى متى هذا التعلّق بالقشور يُبتغى منها ثمن قليل؟ إنّ على مجتمعنا أن يسترجع ذكاءه الدّيني و أن يتصوّر ربّه إلاها حليما مترفّعا عن حرقوصه و تقليم أظافره و تلميع خدوده و سائلا عن فعله خيره و شرّه في نفسه و في جاره و في دينه. فهل نحن مهتدون؟؟

الدكتور الهادي جطلاوي