لا يصلح الإصلاح إذا فات أوانه

لا أحد معصوم من الخطأ على وجه الأرض وعبر التاريخ. فحتى الرسول كان يُخطئ. وفي القرآن آيات تتضمّن لوما من الله على رسوله في العديد من السور، لعلّ أشهرها قوله « عبس وتولّى أن جاءه الأعمى »، وهي الآية التي نزلت إثر قيام الرسول بحركة رأى الله أنها غير لائقة. كما وجّه الله عتابا إلى الرسول عندما عزم على الحصول على أسرى في غزوة بدر بقوله في سورة الأنفال « ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى ». وعندما طرح بعضهم أسئلة على الرسول لم يكن له عنها جواب، قال لهم : « سأجيبكم غدا ». وكان يقصد بهذا الجواب أن الله سيُوحي إليه يومها بما يكفي من الإيضاحات تُمكّنه من الإجابة على أسئلة الناس. وهو تصرّف خاطئ، إذ بدا كأنه يأمر الله بمدّه بالأجوبة في نفس اليوم. فنزلت الآية في سورة الكهف : ولا تقولنّ إني فاعل ذلك غدا إلّا أن يشاء الله

فإن كان الرسول يُخطئ بدليل أنه يتلقى من الله لوما وعتابا، فما بالك بالإنسان العادي. ومن الناس العاديّين الذين يُخطؤون كل يوم، هناك من يعترف بأخطائه ومن لا يعترف. ومن الذين يعترفون بأخطائهم، هناك من يطلب المعذرة من الذين أساؤوا إليهم، ومن لا يطلب

معاملة الناس بعضهم مع بعض هو شأنهم. أما معاملة السياسيين الذين يمسكون بالسلطة، فذلك شأن عام، ومن غير المسموح للسياسي أن يُخطئ. وإن أخطأ يُفترض أن يُغادر السلطة. وفي حال عدم تخليه عن منصبه بسبب خطأه فعليه الاعتذار للشعب، وهو أضعف الإيمان

أخطاء السياسيين في بلادنا أمر تعوّدنا عليه. وهي في الغالب أخطاء لا يعترف بها مُقترفوها ولا يُحاسبون عليها
في أحد خطبه أمام طلبة معهد الصحافة في بداية سبعينات القرن الماضي، قال الرئيس الحبيب بورقيبة ما معناه بأنه نجح حيث فشل مصطفى كمال أتاتورك. فاغتاظ الأتراك واحتجّ سفيرهم في تونس. فما كان من الرئيس بورقيبة إلّا أن اعتذر في الأسبوع الموالي بصفة علنيّة مُذكّرا بخصال أتاتورك. كما حدث أن اعتذر بورقيبة في مناسبات أخرى مثل ما ورد في خطابه الشهير يوم 8 جوان 1970 بعد الخروج من أزمة التعاضد، أو عند تراجعه في جانفي 1984 عن الزيادة في سعر الخبز حين أعلن « نرجعو كيف ما كنّا قبل الزيادة ». لكن بورقيبة قام بأخطاء أخرى عديدة لم يعترف بها ولم يُقدّم للشعب التونسي اعتذارا بشأنها، مثل تعطيل إرساء الديمقراطية

بخصوص الرئيسين زين العابدين بن علي والباجي قائد السبسي فقد قام كلاهما بخطأ كبير واحد على الأقل. فالرئيس بن علي أغمض عينيه على التجاوزات الشنيعة التي كانت تقوم بها عائلته. حتى أنه يُروى أن أحد الكبار المسؤولين اشتكى له ذات يوم من الثراء الفاحش لأحد أصهاره، ويُقال بأن بن علي أجابه: « هل تريد أن تكون عائلة رئيس الجمهورية فقيرة؟ ». عدم اعتراف بن علي بأخطائه واصراره على التمادي فيها أدّيا إلى تنحيته من السلطة. ولم يشفع له خطابه « أنا فهمتكم » يوم 13 جانفي 2011 لأنه جاء مُتأخّرا جدا

أما قائد السبسي فإنه لم يعترف بعدم الوفاء لوعده بأن « نداء تونس والنهضة خطان لا يلتقيان »، وقد التقيا منذ حصوله على السلطة. أما خطأه الثاني القاتل فهو عدم الاعتراف بهيمنة ابنه الفاشل على حزب النداء وتفتيته إلى حد اضمحلاله، وكان الباجي يُعلّل موقفه بأن ابنه مواطن راشد ويحقّ له أن يلعب دورا سياسيّا

أخطاء السياسيين في بلادنا لا تُحصى. والكثير منها يضرّ بالشعب وبالبلاد أيّما ضرر. لكن المشكلة هي أنهم لا يعترفون بها، ولا يطلبون المعذرة عنها. أما المعضلة الكبرى بهذا الخصوص فتكمن في أن الحديث عنها لا يُسمح به إلا بعد رحيلهم، أي بعد فوات الأوان لإصلاحها

منير الشرفي