قيس سعيد : أخطاء ثقيلة كان بالإمكان تداركها

يختلف المعجم اللغوي لقيس سعيد عن المعاجم المستعملة من طرف باقي المسؤولين الذين عرفتهم تونس إذ يتميز بالحضور اللافت للمصطلحات والقصص والأمثلة المستمدّة من التراث بحيث تغيب عنه المصطلحات التي دأب على ترديدها حكام ما بعد 2011 من نوع التوافق والعائلة الوسطية والحوار وغيرها وهو ما يوحي بوجود مشروع للرئيس لم تتضح ملامحه بعد وإن بدا أن أحد فصوله القطع مع المنظومة القديمة، غير أننا لم نتلمس آثار هذا القطع إذ اكتفى الرئيس بقرارات 25 جويلية و22 سبتمبر وكفى الله المؤمنين شر القتال فمكّن بذلك الخصوم من فسحة للحركة والتنظم من جديد وتجميع ما تفرق لهول الصدمة التي أصابتهم فعاد المجمّدون إلى الواجهة واحتلوا المنابر الإعلامية ونظموا الوقفات في الداخل والخارج وانتقلوا من استهداف قرارات الرئيس إلى التحريض على الوطن واستدعاء الأجنبي للتدخل في شأن داخلي محلي وطني، والوضع على ما هو عليه لم يتصرف الرئيس بما يقتضي الحزم واكتفى في كلمته التي ألقاها بحضور المكلف بتسيير وزارة الداخلية حيث قال بالحرف الواحد في البداية بأن هنالك « من ستتم إحالته على القضاء » بما يعني أن ملفات أصبحت جاهزة للحكم فيها ولا أدري إن كان من بينها

1) ملف المنصف المرزوقي الذي ما كان من السائغ أن يعرّج الرئيس في كلمته على ما تفوّه به مؤخرا دون أن يتبعها بقرار لا أقل من أن يكون إحالته على العدالة بتهمة الخيانة العظمى لِما صدر عنه في فرنسا من تصريحات محرّضة على الوطن فالحزم في هذه المسائل لا يجب أن يخضع للإجراءات والقوانين لأن الأصل فيها هو الحفاظ على المصالح العليا للوطن المقدمة على ما يسمى حقوق الإنسان وحريته في إبداء الرأي فالخيانة ليست رأيا وحقوق الأفراد لا عبرة بوجودها إن استعملت لتخريب النسيج الوطني

2) هذا الذي قيل عن المرزوقي يصحّ في وصف حركة النهضة التي تتمتع بحصانة لا ندري سببها لحد الآن رغم تقرير محكمة المحاسبات والفضائح المالية والسياسية والذي يعلمه العام والخاص أن أسّ البلاء في تونس وراعيه هو حركة النهضة وملفاتها موجودة على مكتب الرئيس ومن بينها الملف الضخم للتنظيم السري الذي تحدث عنه الأميرال العكروت مؤخرا وهو ملف تعمّد الباجي في إطار توافقه مع الغنوشي التستر عليه، ملف بهذا الحجم والخطورة لم تتمّ إحالته منذ شهرين وبقي يراوح مكانه رغم أن مجرّد الإحالة كافية لجعل الحركة في حيص بيص وليس التآمر على الرئيس والاستقواء بالأجانب كما تفعل اليوم

3) وكيل الجمهورية السابق البشير العكرمي أقيل من خطته القضائية لأنه تستر على آلاف القضايا الإرهابية لم تتم محاسبته لحدّ الآن وكذا رئيس محكمة التعقيب الذي هو في نفس الوقت رئيس هيئة مراقبة دستورية القوانين الذي أحيل ملفه على النيابة العمومية، إلا أننا لحد الآن لم نسمع بأن إجراء تم في حقهما خصوصا لما نضع في الاعتبار أن رئيس محكمة التعقيب كان يراقب دستورية القوانين الأمر الذي يستلزم إعادة النظر إلى كل الأحكام التي أصدرها

4) آلاف الجمعيات التي وقع تأسيسها منذ سنة 2011 بهدف خدمة الإسلام السياسي تحت ستار التعليم وتحفيظ القرآن وغيرها من الأكاذيب هي في حقيقتها مخصّصة لتمويل الأحزاب وتجنيد الشبان لصالح تنظيمات مشبوهة وأبرز مثال على ذلك بؤرة القرضاوي وبؤرة رضوان المصمودي وبؤرة رابطة تونس للثقافة والتعدّد وغيرها ممّا يتم استخدامه اليوم لتلويث الأجواء السياسية والثقافية والتربوية، ورغم خطورة الدور التخريبي الذي تلعبه هذه البؤر فإنها بقيت بمنجاة من أي قرار حتى مجرد السؤال عن برامجها وتمويلها وارتباطاتها الداخلية والخارجية

5) ملف التحويلات المالية التي تمت فيما بين سنتي 2011 و2019 لصالح الأحزاب والجمعيات والأشخاص استنادا إلى تقارير لجنة التحاليل المالية ومن بينها التقرير الذي سحبته الحكومة لأن به شبهات حول جمعية يترأسها الدائمي

6) ملف اللجنة الوطنية لمقاومة الإرهاب وهي لجنة قيل إنها ستتكفل بإعداد الدراسات والمساهمة في مقاومة الإرهاب ولكن ترأسها اثنان من المحسوبين على حركة النهضة العميد بن نصر ومنير الكسيكسي الذي اتهم بتهريب الأدوية إلى ليبيا وقد مثلت نتائج أعمال هذه اللجنة في إطار مقاومتها للإرهاب أضحوكة تندّر بها الخاص والعام لما نشرت أن من بين ممولي الإرهاب في تونس طلبة وعاطلون عن العمل وتلامذة وبائع روبافيكا وغيرهم ممن جمدت لهم حساباتهم البريدية لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد

7) نشر متفقد المالية رياض المعلاوي قائمة في الذين تحصلوا على تعويضات في الأيام الأولى لسنة 2011، وقد بقيت هذه القائمة سرية لورود أسماء عدد من الذين لم يتوقفوا عن الدفاع عن حركة النهضة والدفاع عن إسناد التعويضات لمنتسبي الحركة وهو أمر كان من المفروض أن تقوم الرئاسة بكشفه للعموم حتى يتبيّن الخيط الأسود من الخيط الأبيض ويعلم الناس الأسباب الخفية التي تجعل من هؤلاء يتصدرون معارضة إجراءات 25 جويلية و22 سبتمبر

ويبقى في الأخير التأكيد على أن بقاء الغنوشي حرا طليقا دون محاسبة رغم أنه المتهم الأوّل في كل الجرائم التي تعرّض لها الوطن في فترة العشر سنوات الماضية من شأنه أن يمكنه من تجميع صفوفه والانقضاض مرة أخرى على السلطة، فحتى نحمي تونس من شروره تقتضي المصلحة فتح ملفه خصوصا بعد أن اتضح بما لا يدع مجالا للشك أنه آيل إلى سقوط محتم وأن حركته توفيت ولكنها لم تقبر بعد فلندفن هذه الجثة قبل أن تتعفن وتزكم الأنوف بروائحها المؤذية

بقلم أنس الشابي