في بيان «مجلس الصحافة» حول المشهد الإعلامي بعد 25 جويلية…غابت الجودة فبرز جلد الذات ومتاهة الآفاق

أصدر «مجلس الصحافة» بتاريخ 11 أوت 2021 بيانا مفاجئا في مستوى الشكل والمضمون حول المشهد الإعلامي بعد 25 جويلية المنقضي تحت عنوان «ثوري» جذّاب «حان وقت إصلاح الإعلام ليقوم بأدواره كمؤسسة من مؤسسات الديمقراطية» وهو اكتشاف مهم ليس فقط لعلاقته بالواقع واستحقاقاته، ولكن لعلاقة الهياكل المهنية الباعثة للمجلس بالموضوع

عنصر المفاجأة المتعلق بالشكل يتمثل بداية في التوقيت في حد ذاته فالبيان يصدر تقريبا بعد نصف شهر من الحدث الذي تمحور حوله، وفيه مسائل تجاوزها الزمن في تقديرنا ولم تعد مرتبطة بالآنية التي هي شرط ومقوم أساسي في مهنتنا كالدعوة الآن إلى «فتح تحقيق مستقل بخصوص ما حصل بالتلفزة التونسية يومي 25 جويلية و 26 جويلية 2021 من أجل معرفة سبب تخلف التلفزة الوطنية عن واجب الإخبار الذي التزمت به كمرفق عام»، والحال أن جميع الأطراف التي قد يعنيها ويشملها التحقيق أدلت بدلوها في الموضوع ونتحدث هنا عن رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع وهيئة الاتصال السمعي البصري / الهايكا علاوة على أن فكرة التحقيقات واللجان بشكل عام في تونس بعد ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة لم تكن مجدية

في الشكل دائما، انبنى البيان على فكرتي التشخيص بما أن المجلس يُعتبر «هيئة تعديلية ذاتية تتابع تطورات المعالجة الإعلامية للأحداث»، وتقديم الوصايا أو الدعوات لمن يهمّه الامر، وفي الجانبين برزت عديد الهنات

إن استعمال فعل «تخلّفت» في أكثر من مناسبة لتشخيص الواقع لم يكن مناسبا وهو فعل غير مستعمل في أدبيات الهياكل المهنية وتقارير الرصد والتوثيق وهو حمّال معان كثيرة لا نرى وجاهة في استعمالها في سياق الحال.
وبالعودة الى المضمون فإن التعميم يظل غير ذي جدوى ولا ينصف من كان استثناء في المشهد العام ويطرح السؤال حول الغاية من التخصيص فالقول أن «جل وسائل الإعلام المرئية تخلّفت عن مواكبة أحداث 25 جويلية بالنقل والتعليق ونخص منها بالذكر التلفزة الوطنية» دون الاشارة مثلا الى قناة مثل «تلفزة تي في» يثير التساؤل عن تجاهلها والحال أنها جديرة بالتنويه

التجني الثاني المسجّل في مضمون التشخيص يتعلق بالتعسف على الصحافة المكتوبة وتعويم الاحكام والقول أن «المعالجة الصحفية ارتكزت على نقل مختلف مواقف وتصريحات الفاعلين السياسيين من الإجراءات الاستثنائية على المستوى الوطني والدولي، لكنها اكتفت بالنقل ولم تتجاوز ذلك إلى التفسير والتحليل والتحري. وقد لاحظ المجلس عدة خروقات مهنية ومنها نشر الأخبار دون التحقق من أصالتها وغياب التوازن أحيانا في نقل مختلف المواقف» وكأننا بمن كتب البيان لم يتابع الجرائد التونسية ومن بينها : الصحافة اليوم

ليس ذلك فحسب، يستغرب قارئ البيان من الحديث عن «الاستقطاب السياسي والإيديولوجي والاقتصار على رواية واحدة للأحداث والتعليق عليها من وجهة نظر واحدة وبإعطاء بعض وسائل الإعلام الفرصة لعدد من المعلقين لممارسة دور دعائيّ لفائدة فاعلين سياسيين» وهذا خلع لأبواب مفتوحة

والغريب أننا في نفس البيان الذي يسجل غياب «التفسير والتحليل» أي الرأي، نقرأ في نقطة اخرى «المزج بين الرأي والخبر وهو ما يتنافى مع أخلاقيات المهنة بصفة عامة وما تنص عليه مدونة المجلس لأخلاقيات المهنة»، فهل رصد المجلس الرأي والخبر أم الخبر فقط أم ماذا؟

الطريف كذلك، خصوصا وان العديد من قادة المجلس من المسؤولين السابقين في القطاع، تحدثوا عن عدم اشتغال هيئات التحرير وفق التعديل الذاتي ووفق المواثيق والمعايير التحريرية ما أدى إلى تكاثر الأخطاء الصحفية والأخبار الزائفة والإشاعات والتسريبات والمعلومات الجاهزة وصحافة البلاغات فهل ثمة هيئات تحريرية واجتماعات تحرير وهل نحن نتحدث عن نفس المشهد الاعلامي؟

بقي أن نشير الى ان بقية الدعوات صالحة لكل زمان ومكان من قبيل تفعيل آليات التعديل الذاتي وحث الصحفيين والصحفيات على الالتزام بواجب الحقيقة الذي نص عليه البند الأول من ميثاق نقابة الصحفيين التونسيين وميثاق الاتحاد الدولي للصحفيين حتى تكون الصحافة منظومة بديلة عن منصات الشبكات الاجتماعية وما تتضمنه من مضامين دعائية وتضليلية، ودعوة كافة الفاعلين السياسيين الى الكف عن التلاعب بالمؤسسات الإعلامية ومحاولة اختراقها أو ممارسة ضغوطات عليها

الغريب أن مجلس الصحافة يتوجه في النهاية الى السلطات العمومية وكافة الهياكل المعنية –دون ذكرها- للتسريع بإصلاح الإعلام ووضع سياسات عمومية حتى يتمكن الإعلام العمومي والخاص من القيام بدوره المتمثل في توفير خدمة إخبارية ذات جودة، وسلطة رابعة تراقب السلطات الأخرى وفضاء عمومي للنقاش العام التعددي والمتنوع دون حديث مباشر وصريح عن دور أهل المهنة وابناء القطاع ودون اشارة الى الجمهور

إن مجلس الصحافة يحتاج بالفعل إلى الدعم لأداء دوره الحيوي في الدفاع عن حرية الصحافة وإرساء آليات التعديل الذاتي الضامنة لصحافة الجودة ويمكن أن يكون شريكا أساسيا للمنظمات الوطنية التي تعمل على الدفاع عن حريات التفكير والتعبير كما جاء في خاتمة بيانه

بقلم: مراد علالة