عيد بأية حال عدت يا عيد؟

يحتفل التونسيون غدا الثلثاء 20/07/2021 بعيد الإضحى، وهم مثل كل الشعوب التي لها أعيادها الدينية أو

زينب التوجاني

الوطنية أو غيرها يرجون أن يكون العيد مناسبة للفرحة والبهجة وقطع الرتابة. لكن عيدنا هذا كسابقه امتزج عند آلاف العائلات التونسية بالألم والحداد

فقد ارتفعت الوفايات لا بالكوفيد فحسب بل كذلك في صفوف الأمهات الحوامل اللواتي لا يجدن في جهاتهن ابسط الحقوق في الصحة الإنجابية كطبيب توليد. وكذلك ارتفعت وفايات الأمراض المستعصية والخبيثة والمزمنة لتراجع التغطية الصحية واهتراء الخدمات المقدمة لهؤلاء المرضى رغم جهود الأطباء والإطار الطبي. فتفاقم عدد الأطفال اليتامى الذين وجدوا أنفسهم في الحياة دون سند فجأة، إذ تنتشر حولنا ظاهرة فقدان الأب أو الأم أو كليهما في ظروف اقتصادية متردية وصعبة

ومع هذا الوضع المؤلم والكارثي الناتج عن عقود من إهمال الصحة العمومية وعدم تحمل مسؤولية الصحة المواطنية وأخذها على محمل الجد وعدم تركيز المواطنين على أولويات حياتهم الاجتماعية لم يفرط الناس في تقاليد العيد. فقد انتصبت الأسواق الأسبوعية بجل مناطق الجمهورية واستمرت التجمعات والتحضيرات له. وسط شكاوى من غلاء المعيشة وارتفاع سعر الأضحية وعدم قدرة مجاراة نسق الاستهلاك أمام تراجع مواطن الشغل وإنهاك الوباء لميزانيات العائلات التونسية

ويرتبط العيد عند التونسيين بمهن موسمية مثل المتاجرة بالأغنام أو التوسط في بيعها أو بيع ما يتصل بها من مؤونة أو أدوات ذبح أو تنظيف أو مواد إعداد ما طاب من المأكولات التقليدية المتصلة بالعيد كالعصبان أو القديد فتجد باعة الكوانين والفحم منتشرين على طول الطرق الوطنية وتجد باعة التوابل والحشائش الجبلية التي تستعمل لإضفاء النكهة وكل تلك التجارة تخفي وراءها يدا عاملة نسائية، صَنعت من الطين أواني للطبخ و جمعت الحشائش أو أعدت التوابل أو نقت الفلفل وهيأته ليصبح هريسة أو معدا للتفويح أو قلائد تباع لمن يطلبها ، ووراء تجارة العيد عائلات تغتنم الفرصة لتهيأ جزء من بيت هي بصدد بنائه أو تجهيز عروس أو إعداد فتى للتقدم لخطبة فتاة أو جمع بعض النقود للعودة المدرسية أو حتى لتدبر ثمن عملية جراحية مباغتة أو لتوفير مخزون للأيام الصعبة التي يبقى فيها هؤلاء بلا عمل

إن الوباء قلص هذه المرة من ربحية هذه الفئات من العاملين الموسميين وزاد من عطالتهم وحاجتهم وتركتهم السياسات العاجزة على توفير التوازن بين الفئات والجهات والأفراد والنوع والشباب عاجزين عن ايجاد موارد لمجابهة الحياة. وهو الأمر الذي يكشف هشاشة نموذج النمو الاقتصادي المرتبط أساسا بنموذج اجتماعي لم يعد مواكبا للعصر الذي نحن فيه. فهل يعقل أن يتسبب العيد وتقاليده القائمة على التقارب والتجمعات في ما سياتي بعد اسبوعين من ارتفاع عدد المرضى وارتفاع نسبة الوفايات والجميع يعلم ان المنظومة الصحية لم تعد قادرة على تحمل المزيد؟ وهل يعقل أن تعوّل آلاف الأسر على مهن موسمية مرتبطة بالأعياد والمناسبات الدينية والأعراس والأفراح والأتراح وتبقى الأجيال القادمة مرتهنة لنفس هذا النموذج البالي؟ وهل يعقل أن نستمر في التظاهر بأن الأمور بخير ونقبل بهذه الآلام الفردية والجماعية دون أن نطرح على أنفسنا: إلى متى القبول بهذه الحياة التي تشبه الموت وتقبر كل آمالنا وتقوم فقط على الأكل والشرب وطلب العافية وكما يقول المثل كول القوت واستنى الموت وقد صار هذا فعلا سائرا بيننا؟ ماذا ينقص التونسيين ليعيدوا التفكير في حياتهم اليومية على ضوء العصر الحديث؟ ماذا ينقصنا لنعيد بناء حياة اخرى لا تقوم بالضرورة على انتظار هذه الأعياد التي كانت صالحة لعصر آخر ونمط آخر في الاقتصاد والاجتماع؟ إني لا أدعو الناس للتخلي عن أعيادها لكني فقط أطرح سؤالا على القراء الكرام: إلى متى النزيف الحاد؟ إلى متى هذه الفوضى الاجتماعية والاقتصادية؟ في كلمة واحدة نحن بلا شك بلد متخلف البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ولا يعني هذا اننا لا نملك فاعلين او لا نملك طاقات ابداعية بل يعني انه يجب الاعتراف بان هؤلاء الفاعلين المنتشرين دون خطة ودون تنسيق متروكون لعمل التاريخ بلا خطة واضحة لادارة الفعل نحو بناء نموذج اكثر تقدما

إن كل جهود الاغاثة والتضامن الانساني والتعاون والمبادرة إذا لم تصاحبها ثورة ثقافية قيمية عميقة فانها لا يمكن أن تؤول الى بناء صلب ودائم، ولهذا ورغم تنامي الجهود الخيرة الرامية إلى انقاذ الارواح وتقليص الاوجاع فاننا بحاجة الى بناء صلب ودائم للمستقبل على الاقل مادمنا فشلنا في ضمان حياة جيدة لنا ولاطفالنا الذين ارتفعت بين صفوفهم اصابات الكوفيد وحتى سجلت بعض الوفايات. ولهذا فاني أتساءل ايها العيد بم عدت؟ بنموذج متكرر منذ عقود وسنوات يعيد نفس البنية العقيمة أم بنور وعي للخروج من بنى التخلف الى الفعل والحياة؟

بقلم زينب التوجاني . نُشر على جريدة الشروق