عندما تشيّع الأخوات جثمان شيخهنّ السياسي بالزغاريد

فالحذر الحذر

ولكن هل أدركن لحظة الإعلان عن نتيجة التصويت أنّ شيخهنّ ليس سوى عبارة عن فاشوش؟؟؟ هل فهم الإخوان أنّ رفض 97 نائبا لبقائه على كرسيّ رئاسة البرلمان شهادة على أنّ صنمه الذي أقاموه في مدخل المعبد قد انكسر؟؟؟ هل اقتنعوا أنّه لا يساوي في تونس سوى 16 صوتا، تحصّل عليها بكلّ ما أوتي من إغراءات الدنيا؟؟؟ هل فهموا أنّ من أراد لنفسه من 18 نائبا البقاء في منزلة بين المنزلتين لا يؤتمن جانبه؟؟، ولا يمكن البتّة ضمّهم إلى صفوف رعيتهمهذا ما قرأته وأنا أتابع النتائج، وفي الحقيقة كانت نتائج متوقّعة ، لكن أن تعيشها فذاك أمر مختلف.. لأنّ للإخوان طبيعة متميّزة مهما اختلفت بهم الأرض ونأى بهم المكان.. ولأنّ سياسة التمكين التي طبّقوها في مصر والسودان، وفي ليبيا والأردن والمغرب وحتى في أوروبا وأمريكا هي سياسة ماكرة وموغلة في المكر، ولأنّها أخذت منهم دهرا من الصبر ونكران اليأس والاعتقاد في غد آت لا يهمّ إن كان قريبا أو بعيدا.. وهي لعمري السياسة نفسها التي نرزح تحت ثقلها في تونس منذ 10 سنوات.. فنروم نهوضا ولا نبغي رميها بعيدا فلا نقدر
هي نتائج متوقّعة، ولا يمكن التعسّف على منطق التاريخ ، لأنّ الإخوان حيثما حلّوا واستوطنوا ينغرسون ولا ينصرفون بل يقتلعون.. شهد التاريخ أنّهم لا يتركون الأماكن إلاّ بالمواجهة.. ولا نأتي بهذا الموقف من الخيال، بل من مواقفهم ، والغريب أنّهم يصرّحون بذلك دونما مواراة أو مرواغة.. ولعلّ آخر تصريح لشيخهم منذ أسبوع .. تصريح تفطّن إليه البعض بينما وضعت الحكومة رأسها في الرمل عند إذاعته.. وارتجف لسماعه العارفون خاصّة عندما قال  » الموت لأعداء ديمقراطيتنا » وشيخهم عليم بما ينطق ويتلفّظ. إنّه يتحدّث عن ديمقراطيتهم هم لا الديمقراطية في معناه الفلسفي.. بل هي ديمقراطية الإخوان التي لا تعترف سوى بقيامهم أولياء على الناس ، يحكمونهم ويعركون أفكارهم بما يرضونه من مبادئ إخوانية.. وحديث الشيخ أوامر مشفرة لمعسكره الذي يحمي المعبد وعبيده
لم يجد الإخوان حرجا طيلة هذا السنوات العشر في التصريح كلّما احتدت المواجهة بينهم وبين مخالفيهم. وما تزال ترنّ في أذاننا تصريحات صحبي عتيق في شارع الحبيب بورقيبة عندما هدّد التّونسيين بأن يداسوا بالأرجل و باستباحة دمائهم بل شبّه يومه ذاك بيوم “بدر” الذّي كانت فيه هزيمة كفّار قريش على أيدي المسلمين.. ومازلن نذكر ما تواتر على لسان البحيري بأنّهم يمتلكون 300 ألف انتحاري.. وتصريح شورو تحت قبّة المجلس بتطبيق حدّ الحرابة على المخالفين المتظاهرين الخ
ديمقراطيتهم يا سادتي هي في مدى تفانيهم في تطبيق سياسة الدمّ، وهي خصوصية إخوانية بحتة: ولنا في الجزائر جارتنا خير مثال، واتخذها عتيق نموذجا لنشاطهم الديمقراطي عندما استحضر التجربة الجزائرية و هدّدنا بحرب أهلية كالتي وقعت في الجزائر في أوّل التسعينات ، أي العشرية السوداء التي يجني خيباتها الشعب الجزائري إلى يومنا هذا.. حرب سالت فيها دماء أبرياء، ويتّم أطفال وترمّلت نساء وثكل فيها آباء و أمّهات أبناءهنّ
تأكّدوا أنّهم كلّما نطقوا بحرب أهليه لا يتهزئون، وأنّهم في أقصى درجات التهديد والجديّة، لأنّ إيمانهم بامتلاك الأرض وما عليها اشدّ من إيمانهم بالله، ولأنّهم جميعهم جنود باني مجدهم الأوّل البنّا.. ولا نستثني منهم أحدا، فجميعهم كلّما تحدّث في قناة إذاعية أو تلفزية خيّرنا بين الطاعة والإذعان أو الحرب الأهلية ؛ نطق بها البحيري والهاروني والعريض وعتيق والزغلامي ألخ… والغريب أنّ الكثيرين يتهاوزنون بهذه التصريحات لكنّها كانت تنزل على قلبي مثل الصخر الجارح والنذير .. وكلّما أسمعه أدعو إلى الله أن لا تسيل دماء كثيرة مثلما سالت بالجزائر وليبيا والسودان
لكم أمثلة من حروبهم الأهلية كيف تقام؟؟؟ وما هو الشكل الذي تتخذه؟؟ وماهي الصورة القاتمة التي ترسمها في المجتمعات؟؟؟ وهي حروب وإن بدت لكم متنوّعة فإنّما تنهل من منبع واحد. وصفتها الخراب وقد تجسّم في التشتّت والتفرقة.. والعمل على التهديم والقتل المقنّع وانتشار الانتحاريين، والعمليات الإرهابية.. عمل ممنهج يقوم على إثارة البلبلة بين الناس والحيرة واليأس من غد مظلم .. هي باختصار إرساء لحرب أهلية تتوجّه ضرباتها الأولى إلى هدم مؤسسات الدولة وإرساء للفوضى وقانون الغاب
هذا ما يقصده الإخوان بتهديدهم بحرب أهلية.. وكانوا صادقين في تهديداتهم: فلكم في مصر خير مثال، رغم قوّة الجيش المصري فإنّ ضرباتهم موجعة يصوّبونها نحو جنود وأمنيين، وفتواهم هم  » الطواغيت » ومدنيين وفتواهم المتستّرين على الطواغيت رسل الضلال.. ولكم في السودان مشهد حيّ لمعاناة شعب أراد التخلّص من استعمار الإخوان، أجل تمكّن من ذلك سياسيا لكنّ المجتمع مازال سجين الرؤية الإخوانية إن لم نقل تحوّل إلى آلة حادّة قادرة على أن تلحق الأذى بنفسها..ولا ننسى ما تمرّ به ليبيا هذه الأيام من محن يحرّك خيوطها الإخوان والتنظيم الدولي بزعامة جنرالها أردوغان.. وكلّ ما يرجوه المرء أن تمرّ تخرج ليبيا من طوفان القتل والتشريد والتمزيق قريبا. فلم تعد تتحرّك فيها سوى الأشباح وأيادي أخطبوط رمى بخيوطه في رقاب الناس
هذا مجمل مل يقصده زعماء معبد تونس من الحرب الأهلية.. فهل هم على استعداد من ذلك؟؟؟ ربّما
إنّ العنف عند الإخوان المسلمين كان دائماً من صميم استراتيجيتهم .ورافق تاريخهم خزّان مليء بالاغتيالات وإقصاء المخالف.. وزخرت مصنّفات الخارجين عنهم بشهادات حية تعود بنا إلى عشرينات القرن الماضي. بل حرصت هذه الشهادات على الاعتراف بأنّ مسألة اللعبة الديمقراطية في أرقى معانيها الفلسفية هي غريبة عنهم ، ولا يعترفون بها حتى عندما يطبّقونها داخل معبدهم: فديمقراطية الصندوق حلال ما لم تزح رئيس المعبد ، وإذا أزاحته فذاك خروج عن الطاعة التي أقسموا بها في بيعتهم، وتحطيم للبناء الذي شيدوا صرحه من مصطلحات تتغذّى من الدم
ولعلّ أفضل من يلخّص مقاربة الإخوان في العمل الديمقراطي مقالة لأب حسن البنّا عبد الرحمن الساعاتي : استعدوا يا جنود وليأخذ كل منكم أهبته ويعد سلاحه ولا يلتفت منكم أحد، امضوا إلى حيث تؤمرون.. اعكفوا على إعداد الدواء فى صيدليتكم، ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة أبت، فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم فى جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه أو سرطاناً خطيراً فأزيلوه، استعدوا يا جنود، فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر وفي عيونهم عمى
يجب على المخالف في مواجهة الإخوان أن يستحضر دوما في تعامله معهم المعجم الذي يدينون به، معجم يقوم على مصطلحات أصول، وكلّ مصطلح هو مكلّف بمقاربة استراتيجية تعتبر أصلا ثابتا في الحركة الإخوانية، هذه المصطلحات يجدها القارئ فيما ذكرنا من مقالة والد البنّا : هم جنود، يحملون سلاحا، صفتهم الطاعة العمياء، لا يثنيهم أيّ عائق.. وعليهم الإيفاء بما كلّفوا، وهو قطع دابر المخالف
كيف تطلبون ، بعد هذا، ممّن دُرِّب ورُوِّض على الطاعة الخرساء والعمياء أن يصغي إليكم وينظر بعين غير التي أُمِر أن ينظر بها؟؟ فهؤلاء جنود  » صمّ بكم عمي.. » جنود لم يتغيّر فيهم سوى طريقة اللباس أو بعضا من الكلام.. لاغير.. هؤلاء لقّنوا أنّ الإمساك بكرسي الحكم هو إمساك بالعروة الوثقى وأنّ التفريط فيه خسران وضياع وتشتيت لأمّتهم
تحوّل الصندوق عندهم في تونس طيلة عشر سنوات إلى لعبة يتلهّون بها سعيا إلى تهميش من يخالفهم، وفي قرارة أنفسهم هم يدركون جيّدا أن لا يزيحهم عن الحكم سوى المواجهة ولا ضير إن كانت دامية، بما أنّهم جنود التنظيم
وباختصار يا سادتي، لا يلهينّكم حديثهم الرنّان عن الديمقراطية ..وحرية التعبير.. والشرعية الانتخابية.. إن هي إلاّ مصطلحات أدركوا أنّها بمثابة الخطوط الحمراء في المجتمعات المدنية.. وإذا ما عزمتم على مواصلة المواجهة .. فهي حرب أهلية.. ويرمون بالعبارة والثقة تحفزهم في أنّهم منتصرون لا محالة
كلّ ما يرجوه المرء أن لا تمرّ تونس بحالات استنفار تعود بنا إلى حال الفوضى التي عاشتها الجزائر أو تلك التي نشاهدها في ليبيا أو ما يعانيه المصريون من مشاهد دموية تأخذ معها أرواح أبرياء
فاللعبة أعقد ممّا يمكن تصوّره ومقاربة الصندوق بالنسبة إليهم يسبقها تدبير وصفقات لا يقدر العادي البسيط أن يلمس خيوطها
اليوم، حتى وإن صفّقوا مهلّلين لبقاء شيخهم، هم يدركون جيّدا أنّه وإن ظلّ على كرسي البرلمان ..فإنّ جبّة الرئاسة قد نُزعت عنه.. هم أعلم الناس أنّه بمثابة..  » الرئيس المجبوب ».. وأنّه بقي ليسقط.. ذهبت هيبته وضاعت.. ولن يكون البرلمان ببقائه سوى برج بابل .. أو رحبة مثل تلك الرحاب التي نشاهدها أيام العيد

الدكتورة نائلة السليني