على وقع بيان الإخوان المحذّر من اغتيال الغنوشي : هذه بضاعتكم رُدَّتْ إليكم

في آخر بيان صدر عن حركة النهضة الإخوانية بتاريخ 10 جوان 2021 ورد في النقطة الخامسة منه ما يلي:  » تُنبّه حركة النهضة للتهديدات الجدية لسلامة رئيس الحركة، الأستاذ راشد الغنوشي، خاصة على أثر الإعلام الرسمي الذي بلغه من قبل السلطات الأمنية بوجود تهديد إرهابي باغتياله » وبصرف النظر عن صدق التهديد من كذبه وجب علينا أن نجيب عن جملة من الأسئلة التي من شأنها أن تساعد على فهم مسالة العنف السياسي في مجتمعنا وكيفية ظهوره وانتشاره خصوصا في العشر سنوات الأخيرة

السؤال الأول: هل عرفت تونس في تاريخها المعاصر التهديد بالاغتيال أو مارسته؟

وجوابه: الاغتيال هو إنهاء حياة مواطن بقصد إسكاته إلى الأبد بسبب خلاف سياسي والمتأمل في التاريخ المعاصر لتونس يلحظ بجلاء أن القوى السياسية لم تلجأ إليه إلا لمعاقبة الخونة إبان الحركة الوطنية ومقاومة الاستعمار وهو أمر محمود في ذاته أما في فترة الاستقلال وما بعده فلم تعرف بلادنا الاغتيال السياسي بمعنى إنهاء حياة مَن مثل عائقا في نشر أفكار تنظيم ما إلا في الأربعين سنة الماضية هذا إذا استثنينا حقبة الخلاف البورقيبي اليوسفي وهي حقبة دار فيها الصراع داخل الحزب الدستوري وليس خارجه حول من يحكم البلاد وهي لهذا السبب تعدّ مسألة حزبية داخلية تندرج ضمن إطار الخصومات الشخصية بين زعامات هذا الحزب ولا علاقة لها بما نحن بصدد درسه الآن لأنها لم تستهدف تيارات سياسية أخرى كانت موجودة أيامها كالحزب الشيوعي أو المعترضين على إصلاحات دولة الاستقلال من جماعة الحزب الدستوري القديم وغيرهما

السؤال الثاني: أيّ تيار سياسي استعمل العنف وشرّع له بعد الاستقلال؟

وجوابه: بعد الاستقلال وبانتشار التعليم نشأت تيارات سياسية كثيرة كانت تنشط في الجامعة ويغلب عليها التوجه اليساري والعروبي، في تلك الفترة كانت أدوات النقاش فيما بينها لا تتجاوز الخطب أو المنشورات الحائطية أو الكراسات وحتى إن استعمل قسم منها بعض الألفاظ والمصطلحات كالعنف الثوري وغيره فإنها وللحقيقة لم تمارس العنف المادي مطلقا ولا كانت داعية له بل كانت متسامحة حتى مع مخالفيها كالإسلاميين يقول محمد الكيلاني في مذكراته: « أراد حسن الغضباني أخذ الكلمة باسم الاتجاه الإسلامي عارضه عدد من الحاضرين فتدخلت للدفاع عنه وعن حقه في إيصال رأيه فأخذ الكلمة….. وكان يتكلم طليقا فشعرنا أنه شدّ انتباه الطلبة الذين واصلوا الاستماع إليه… وكنا نتابع أخباره وهو من أعطى صدى كبيرا للاتجاه الإسلامي وهو بصدد النشأة والظهور… لقد تركنا الإمكانية للاتجاه الإسلامي ليتكلم »(1) هكذا دخل الإسلاميون الحرم الجامعي وهكذا ابتدأ العنف في الظهور ليطال الطلبة ويصل في نهاية الأمر إلى احتجاز عميد كلية العلوم، ما حدث في الجامعة ظهر هو الآخر في الشوارع في مرحلة لاحقة حيث عملت حركة الاتجاه الإسلامي خصوصا بعد اكتشاف وثائق تنظيمها السري في شارع قرطاج سنة 1980على مواجهة السلطة وأعوانها بمختلف الوسائل العنيفة، وهكذا نلحظ أن الجهة الوحيدة التي مارست العنف بقصد تحقيق مكاسب سياسية من بين كل التنظيمات التي تعرضت للمحاكمات السياسية هي حركة الإسلاميين

السؤال الثالث: هل أن العنف الذي مارسته الحركة الإسلامية هو رد فعل على منعها من العمل العلني كما تروّج ويروّج أتباعها أو أن العنف هو جزء من بنيتها العقدية ومشروعها الفكري؟

وجوابه: إن العودة إلى النصوص المرجعية لقائد الحركة وبياناته كفيلة بالقول أن العنف جزء لا يتجزأ من برنامج الحركة وأدواتها التي تلجأ إليها لفرض رؤاها والانصياع لها إذ بالعودة إلى  » الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي » وهي الوثيقة الأساسية لديها لحد الآن نلاحظ أنها تصنف البشر على قاعدة الإيمان والكفر فالانخراط فيها مقصور على المسلمين من معتنقي العقيدة الإخوانية كما شُرحت في الرؤية أما غيرهم من ذوي الديانات والتوجهات الفكرية الأخرى فلا مكان لهم فيها لأنهم كفرة أو مرتدّون هذا على مستوى الحركة والانتساب إليها أما على مستوى الوطن فإن الغنوشي يرى أن المجتمع الإسلامي مجتمع عقائدي تقوم فيه المواطنة إما على أساس الإيمان الديني أو على أساس عقد الذمّة أي المواطنة أو الجنسية كما ورد في كتابه عن حقوق المواطنة(2) وهو ما يعني تصنيف المواطنين إلى صنفين صنف له كل الحقوق وصنف عليه كل الواجبات من ذلك أن الدفاع عن الوطن والانتماء إلى الجيش مشروطان بالانتماء العقدي ويُحرم منهما كل من لم يتوفر فيه شرط العقيدة وفي مقابل حرمانه من شرف المواطنة الكاملة يجب عليه كما ذهب إلى ذلك الغنوشي دفع الجزية لأنه من أهل الذمة أوّلا ولأن الدفاع عن الوطن له صبغة دينية وهي الجهاد ثانيا(3)، وحتى تحافظ الحركة على صفائها الديني وحتى لا تلوثها مفاهيم المساواة والقيم الإنسانية وتواجه خصومها احتاجت إلى إيجاد تنظيمات سرية تمارس العنف ضد مخالفيها يقول الغنوشي: « ويبدو أن ما يطلق عليه اليوم بلجنة الخميني وهي القائمة على حراسة النظام والتصدي لأعداء الثورة من اليساريين.. وملاحقة أنصار النظام السابق.. هو صورة من صُوَر الجهاز السري للإمام، وكما كان للخميني تنظيمه السري كان للبنا كذلك….. وسواء كان هذا التنظيم سريا أو علنيا فهو على كل حال إذ يعمل ضمن مبادئ الإسلام وقيمه يتسلح بضمانة أساسية تجنبه التورط في عمل الأجهزة السرية الإجرامية في العالم من سطو واعتداء وترهيب.. »(4) والذي نخلص إليه ممّا ذكر أن العنف وممارسته والتهديد به لم يكن رد فعل أو نتيجة لمواجهة السلطة للحركة بل هو جزء من عقيدة وبرنامج الحركة الإسلامية وهي لهذا السبب مارسته باعتباره واجبا دينيا يثاب فاعله ويعاقب تاركه والأمثلة على ذلك تندّ عن الحصر سواء في الثلاثين سنة التي قضتها الحركة في السرية أو في العشر سنوات الأخيرة وهي في الحكم

السؤال الرابع: إنْ صَدَقَ التهديد باغتيال الغنوشي فما هي الجهة التي يمكن أن يصدر عنها؟

وجوابه: ضمن مكوّنات المشهد السياسي الحالي ليس هنالك من له السابقة في ممارسة العنف وتبريره سوى حركة النهضة التي تتأسى بحركة الإخوان المسلمين في مصر وهي حركة عالجت خصوماتها الخارجية وخلافاتها الداخلية بالعنف الشديد من ذلك أن التنظيم السري للسندي احتل مقر الحركة ومنزل المرشد حسن الهضيبي بنية إجباره على الاستقالة وقد ساهم في هذه العملية الانقلابية محمد الغزالي الذي يقدّم اليوم في ثوب المعتدل كما اغتيل أحد قادة التنظيم السري المعارض للسندي والمساند للهضيبي المهندس سيد فايز بعلبة حلوى أرسلت إليه في بيته وانفجرت في وجهه ويذهب بعض الباحثين استنادا إلى مذكرات قادة التنظيم السري وشهادة ابنه سيف الإسلام بأن حسن البنا اغتاله التنظيم بعد أن أصدر بيانه الشهير « ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين »، لكلّ ما ذكر أعلاه أعتقد أن التهديد المشار إليه لا يمكن أن يصدر هذا إن كان موجودا بالفعل إلا عن الذي اشتهر وعُرف بممارسته العنف قديما وحديثا ولا تصح نسبته إلى أي من الجهات السياسية الموجودة على الساحة اليوم التي لم يؤثر عنها أنها مارسته أو حرّضت عليه رغم المحاكمات التي تعرضت لها

بقلم أنس الشابي

الهوامش

1) التاريخ المنسي، مذكرات مناضل وطني : للأستاذ محمد الكيلاني عن دار كلمات عابرة تونس 2020، ص82 و83
2) حقوق المواطنة، وضعية غير المسلم في المجتمع الإسلامي:  مطبعة تونس قرطاج، تونس 1989 ص27
3) المصدر السابق ص69
4) مقالات :  مطبعة تونس قرطاج، الطبعة الثانية ص98