ثورة « أولاد الحفيانة » لا إسلامويّة لا إخوانيّة

بعد عشر سنوات على ثورة الكرامة التي اندلعت شرارتها من سيدي بوزيد والتي تعود جذورها إلى أحداث الحوض المنجمي في 2008 وقد شارك النساء في تلك الأحداث مشاركة رمزية وحقيقية جعلت هبّة سيدي بوزيد تندرج ضمن مسار الحراك الشعبي المتململ ضد نظام الحزب الواحد واستفراده بالرأي وقمعه الحريات السياسية والذي انجرّ عنه تمرد فئة من التونسيين طالبوا أولا وقبل كل شيء بالعدالة الاجتماعية والكرامة والمساواة بين الجهات وبحقهم في التعبير عن تلك المطالب. فأصل الثورة التونسيّة متجذّر في أعماق شعبنا، الأبيّةِ روحهُ والشّهمُ وجدانهُ والذي لا يقبل الضّيمَ والظلمَ. وهذا الشّعبُ الأبيّ الرّوح انتفض لا ضد بن علي في شخصه ولا ضدّ أشخاص بعينهم ولكن ضد نظام يمكن تسميته بنظام الاحتقار، لنقل بالعامية التونسية نظام : الحقرة

إن تطلّع الشّعب للتنمية والحياة يدل على نضج وعي النّساء والشّباب الذين قادوا ثورة 17 ديسمبر وحُملن على أعناق رفاقهن يوم 14 جانفي في قلب شارع الحبيب بورقيبة. ولذلك فإن إنكار هذا البعد العميق الشعبي والصادق والدافق لانتفاضة الكرامة لا يُجدي نفعا ويدل على جهل بدواخل الجمهورية التونسية ومعاناة الناس من سلبيات نظام الهيمنة والحقرة والفقر

وها قد مر عقد كاملُ ولم يتحقق للثائرين الذين رفعوا أصواتهم بشعارات التنمية والكرامة الشيء الكثير، بل خلّف سقوط نظام بن علي صراعا حول الحكم بين القوى السياسية التي لم تتفق حول مشروع واحد لنوع الدولة المُراد تحقيقها في المستقبل فإذا بقمقم النظام المتفجّر يُخرج مارده بعد أن كان محبوسا ومطاردا وقابعا في سجونه: الإسلاميون الذين يريدون دولة الخلافة والذين عجزوا عن تحقيقها لرفض التونسيين لنموذج دولة أفغانستان وباكستان وإيران فجعلوا يتلونون ويعملون مرة في العلن ومرة في الخفاء ليؤسلموا الدولة والمجتمع والعلاقات والقيم والقوانين. وزجوا بالبلاد وشبانها في حروب الجهاد والنكاح، وفيما كان الشباب يغرق في البحر الأبيض المتوسط أو يسافر إلى الجهاد أو يتوه في الجريمة وفي الإحباط والبطالة والألم ازداد نفوذ المارد الذي حررته ثورتنا الشبابيّة المؤنثة للتوّ من سجون النظام ومنافيه وظلاله. وصار ذلك المارد يهدّد المسار ويعود بنا إلى الوراء: يهدد حقوق النساء، يهدد مدنية الدولة، يهدد تحديث المجتمع وقوانيه وآلياته ويهدد استقلال البلاد ليجعلها مرتهنة لقوى الضغط وللقوى المتصارعة العالمية ويهدد أمنها لما لفكره من علاقة وطيدة بالإرهاب ويهدّد مستقبل الأجيال لما يطرحه من رهانات ولىّ زمنها ولم تعد صالحة للعصر. فانشغلنا بمصارعة هذا المارد عن العمل لتنمية الاقتصاد وخلق الثروة لتحقيق الثورة وأهدافها التنموية

إنّ الثورة التي اندلعت من سيدي بوزيد هي ثورة النساء الكادحات « الحفيانة » وأبنائهن من الشباب المطالب بفرص للحياة بكرامة وعزة ولم تكن قط ثورة دينية ولا كان الغنوشي بين الثوار ولا كانت بينهم سمية الغنوشي المحتفلة في مجلتها ميم بالثورة عبر بكائيات المظلومية كعادة الإخوان في البكاء كلما كانوا في تراجع وتحت الضغط

وهكذا فإن ذكرى 17 ديسمبر 2020 فرصة لتذكير الغافلين بانّ مطالب الثورة تتعلق بالكرامة والمساواة والتنمية لا بالحجاب وتعدد الزوجات ولا بالشريعة ولا بالخلافة ولا بالعودة إلى قرون خلت. إنها ثورة تونسية تقدمية رغم المارد الذي سنهزمه بما تركه لنا آباؤنا وأمهاتنا بناة الجمهورية من أسس مدنيّة صلبة ومن أسلحة فتاكة نحارب بها تنين الفقر والإسلامويّة معا، بالتمسك بمكاسب الجمهورية وصون قيمها: العلم والعمل وحب الوطن من أجل الوصول إلى بغيتنا وتحقيق بقية أهدافنا الاجتماعية والاقتصادية بعد أن فزنا بحريّة التعبير والحريّات السياسيّة

زينب التوجاني