تونس مطالبة باليقظة…الاستيضاح والمعاملة بالمثل

لم تشهد بلادنا موجة من التعاطف والتضامن الذي اتخذ أشكالا مادية تمثلت في إرسال كميات مهمة من التلاقيح والمساعدات الطبية وحتى الغذائية مثلما هو الحال هذه الايام مع ارتفاع حدة انتشار وباء كورونا وتسجيل ارقام قياسية مفزعة في الخسائر البشرية وانهيار البنية التحتية الصحية وسط أزمة سياسية عبثية حادة، لكن اللافت منذ يومين ما أقدمت عليه دول بعينها – شقيقة وصديقة – من مبادرات أحادية الجانب تجاه بلادنا تثير الريبة وتدعو الى أخذها مأخذ الجد والتعاطي معها بما تقتضيه مصلحة الوطن وسيادته وهيبته

ومن الأسباب الوجيهة ايضا التي تحتم التعامل الجدي والندّي مع هذه «الخطوات» المقطوعة من قبل شركائنا، تزامنها ايضا مع شهر جويلية الذي عرف منذ سنوات بعد ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة أعنف وأخطر العمليات الارهابية في ربوعنا والتي تزامنت مع مناسبات وطنية وأخرى دينية على غرار عملية اغتيال الشهيد الحاج محمد البراهمي خلال شهر رمضان يوم عيد الجمهورية 25 جويلية 2013، ويوم 27 جويلية، استهداف سيارة رباعية الدفع رابضة أمام مقرّ الحرس الوطني بحلق الوادي بعبوة ناسفة يدوية الصّنع ما أسفر عن اصابة أحد أعوان الحرس بجروح فضلا عن إلحاق أضرار مادية بالسيارة، ويوم 29 جويلية استشهاد 8 عسكريين وقع التنكيل بجثثهم في كمين ارهابي استهدف دوريتهم خلال تفقّدها لجبل الشعانبي.. وبعد سنة ايضا، وتحديدا يوم 16 جويلية 2014 جدّت عملية «هنشير التلة» التي اسفرت عن استشهاد 15 جنديا تلتها مواجهة ثانية مع الارهابيين أدت الى استشهاد 3 جنود أيضا

هذا ولئن كان موقف الشقيقة ليبيا مستندا الى تقديرات «صحية» واجتهاد فيه كثير من القسوة والجحود مع تونس وشعبها الذي لم يتصرف يوما على اساس تقسيم الشعبين الشقيقين التونسي والليبي بل اعتبارهما شعبا واحدا في دولتين، وكذلك الأمر بالنسبة الى فرنسا شريكنا الاقتصادي و«التاريخي» الأول في العالم والمتذبذب بين اللونين الاحمر والبرتقالي ونخشى عليه من عمى الالوان، فإن الغرابة هي في الموقف الأمريكي صراحة

لقد اصدرت الولايات المتحدة الامريكية بتاريخ 12 جويلية الجاري تحذيرا لمواطنيها من السفر الى تونس بسبب تفشي وباء كورونا وايضا بسبب مخاطر الارهاب

واكدت السفارة الأمريكية ببلادنا في بلاغ مثير للاستغراب ان مراكز المراقبة والتوقي من الامراض اصدرت تحذيرا من الصنف الرابع للراغبين في السفر الى تونس بسبب تفشي جائحة كورونا مشيرة الى ان نسبة الاصابة بالفيروس والاعراض الخطيرة تبقى منخفضة بالنسبة للملقح بجرعتين من اللقاحات المعترف بها من الهيئات الصحية الامريكية

والأخطر من ذلك أن السفارة حرّضت مواطنيها الراغبين في برمجة سفر الى الخارج على الاطلاع على تحذيرات السفر المتعلقة بمخاطر الارهاب في تونس بل أكثر من ذلك أعلمتهم بضرورة عدم الاقتراب كثيرا من الحدود التونسية الليبية والمناطق الجبلية ومن بينها مرتفعات جبل الشعانبي ومنطقة الصحراء جنوب رمادة التي هي منطقة عسكرية مغلقة ولسائل أن يسأل هنا عن اسباب ذهاب «السياح» الامريكان الى مثل هذا النقاط في العادة؟

أكثر من ذلك، كشفت السفارة في بلاغها أن مجموعات ارهابية بصدد التحضير لعمليات ارهابية محتملة تستهدف الاماكن السياحية ومراكز النقل والمتاحف والنزل والمسارح والمطاعم واماكن العبادة والمراكز التجارية والاسواق والمنشآت العمومية وقوات الامن 

إن من حق حكام ليبيا الجدد أن يرعوا مصالح الشعب الليبي، ومن حق فرنسا أن تحمي مواطنيها، ومن واجب الادارة الامريكية الحفاظ على حياة الأمريكان ومصالحهم في مشارق الأرض ومغاربها مثلما هو من حق وواجب حكام تونس الجدد الحفاظ على مصالح البلاد والعباد ومعاملة الشركاء من الاشقاء والاصدقاء بالمثل وبالندية المطلوبة

إن حربنا على الارهاب مستمرة بالتزامن مع الحرب على كورونا وهو ما يستوجب اليقظة ومزيدا من اليقظة والجاهزية حتى لا يفسد علينا الارهابيون المختنقون بأزماتهم داخل تونس وخارجها أعيادنا ومناسباتنا الوطنية والدينية فيعيقون جهود مجابهة الوباء في وقت وصلت فيه المساعدات غير المسبوقة التي يمكن ان تحدث نقلة نوعية في هذه المواجهة وتسهم في تحقيق نتائج ايجابية تنقذ الارواح

ولا مانع ايضا مع اليقظة والجاهزية الاستناد الى الأعراف الدبلوماسية والى ضوابط العلاقات الدولية المتكافئة والى القانون الدولي للدفاع عن مصالح بلادنا وشعبنا المادية والمعنوية بالرد بما يكفله القانون والقيم والمعاملة بالمثل وطلب التوضيحات كما جرت العادة في مثل هذه المناسبات بين الدول

هذا ولئن جدّت بعض خطوات التهدئة والتوضيح ورفع اللبس إن جاز القول مع الشقيقة ليبيا فإن الامر مختلف مع فرنسا وخاصة مع الإدارة الامريكية رغم ما تضمّنه بلاغ السفارة من «مواقف» و«إجراءات» على درجة كبيرة من الخطورة والأهمية التي تحتم في تقديرنا على حكامنا الجدد طلب التوضيحات في باب اضعف الايمان على الاقل ليس تحديا لأمريكا أو استنقاصا من مشاعرها تجاهنا وإنما لتتظافر الجهود على الاقل باعتبارنا شركاء في الحروب على الارهاب وكورونا وغيرها من الاوبئة علاوة على حرص بلاد «العم سام» على ديمقراطيتنا الناشئة

بقلم: مراد علالة