تونس رهينة الفشل والفساد

بلغت الأوضاع في بلادنا خلال هذا الشهر الأول من السنة الجديدة مبلغا غير مسبوق من التدهور في كل المجالات. فالوباء يواصل زحفه وسط تهديد بانهيار المنظومة الصحية كاملة ولا تلقيح في الأفق ، كما يواصل نسق الفقر ارتفاعه محولا ما يناهز ثلث التونسيين إلى صنف ما تحت خط الفقر، فلم تعد فئات واسعة من الشعب قادرة على توفير الاحتياجات الحيوية. وتتواصل الإخفاقات في معالجة كل الملفات المطروحة ، وهي إخفاقات لا تعود في الحقيقة إلى طبيعة الملفات وتعقدها أو صعوبتها بل إن أكثر هذه الملفات قابلة للمعالجة والحل من مؤسسات عادية فما بالك بدولة. والإخفاق فيها لا يعبر إلا عن حقيقة صارت بعيدة عن أن تكون محل إنكار وهي الفشل الذريع الذي تبرهن عليه يوميا منظومة الحكم في بلادنا وفي دولتنا بكل أجهزتها ومكوناتها. فالارتجال وانعدام التخطيط الاستراتيجي صار « خطا » واضحا تسير عليه منظومة الحكم بأكملها. ومن المؤكد أننا لا نحتاج إلى وصف مطول أو دقيق لمظاهر الفشل والعجز فهي أكثر من أن يحاط بها وهي أظهر من أن يحتاج إلى وصفها وكلنا نعيش وقعها في حياتنا ونعاني آثارها في معيشنا اليومي. وقد نحتاج بدل ذلك أكثر إلى تعيين أسبابها عسى أن يساعد هذا بدوره في تلمس سبيل للخروج من هذا النفق

لقد تولى الحكم بتونس منذ الثورة إلى اليوم صنفان من الأحزاب. حزب ذو مرجعية إسلامية قضى كل تاريخه في العمل السري المقتصر من جهة على كسب الأنصار والمريدين بواسطة كل أساليب المطْرَقة الإيديولوجية ذات الرهانات السياسية والتي تستثمر الرصيد العقائدي المتوارث في ثقافة التونسيين لتحويله إلى ولاء حزبي، وعلى مقارعة منظومة الحكم السابقة مقارعة « ميليشياوية » انقلابية بأساليب لا علاقة لها بالعمل السياسي المنظم والمخطط له والقائم على مقارعة البرنامج بالبرنامج والخطة بالخطة من جهة أخرى. وعندما نقرأ أدبيات هذا الحزب لا نجد فيها أي برنامج صالح لإدارة دولة أو لبناء اقتصاد أو لتطوير خدمات أو لحل مشكلات اجتماعية كانت هي السبب الأصلي لقيام الثورة على النظام السابق، بل كل ما نجده أشتات من المواعظ التي يمكن أن تصدر عن داعية أو من التصورات التي تخص مسائل لا تعدّ، في إطار ظرف ثوري، ذات أولوية أو حيوية كمسألة لباس المرأة ومسألة موقع الدين من الهوية . لذلك عندما تولى هذا الحزب الحكم لم يكن له الحدّ الأدنى من الكفاءة الضرورية لإدارة دولة ولا برامج اقتصادية ضرورية لاستيفاء الدين تجاه الثائرين الذين أسقطوا نظاما من أجل مطالب مخصوصة فوجدوا أنفسهم في أوضاع أسوأ بأشواط مما كانت عليه. فضلا عن ذلك انغمس هذا الحزب، بنفس عقلية العمل السري التي تنظر إلى أجهزة الدولة ومؤسساتها وكأنها العدوّ الذي يجب السيطرة عليه، وإلى السلطة وكأنها غنيمة يجب الانفراد بها، في العمل على تحقيق تلك السيطرة وعلى التمكين لنفسه في مختلف السلطات، وكل التونسيين يعلمون ما حصل أثناء حكم الترويكا في باب السيطرة على القضاء وعلى الإدارة وعلى الأجهزة الأمنية وعلى الهيئات المكونة حديثا والمفترض أن تكون مستقلّة. ولا يمكن لمثل هذا التوجه إلا أن يكون مدخلا لشتى أنواع الفساد، والفساد في تونس أصبح أظهر وأوسع من أي وقت مضى

أما الصنف الثاني من الأحزاب فهو « أحزاب اللحظة » تلك التي ظهر أكثرها بعد الثورة ولم تكن لها أية خبرة في إدارة الشأن العام ولا أي تجربة سياسية وليس لها أية برامج أو مخططات ، هي أحزاب « صدفة » تتشكل أحيانا بطريقة لا أصل لها في العمل السياسي كأن تتحول جمعية خيرية إلى حزب، ويلتقي المنتمون إليها من أجل مهمة مخصوصة كالتقدم إلى الانتخابات، وكأن هذا الأمر هدف في حدّ ذاته. وفضلا عن انعدام الرؤية والبرنامج زادت هذه الأحزاب الوضع تعقيدا بسبب ارتهانها لعقلية تعتبر الحكم غنيمة وتطلبه لذاته وبكل الطرق بما في ذلك الطرق التي تصنف فسادا، وما نراه من وجوه الفساد السياسي في بلادنا أظهر من أن يخفى وأوسع من أن يحاط به. هذا جانب من الأسباب ، ومنها يبدأ التفكير في الحلول

بقلم نزيهة جويرو