برهنة قيس سعيد حول الميراث ضعيفة إن لم تكن خاطئة

السيد رئيس الدّولة في خطابه بمناسبة عيد المرأة رفض مبدأ المساواة في الميراث بين الرّجال والنّساء باعتبار أنّ نصّ القرآن الكريم واضح في هذا المجال ولا يتحمّل التأويل. وباعتبار أنّ مسألة الإرث تابعة للحميمية الدينيّة أصلا. شخصيّا أرى أنّ هاتين المسلمتين اللتين قد ركّز عليهما الرئيس برهنته ضعيفتان إن لم أقل خاطئتين. لأنّ مسألة الإرث ليست فقهيّة هي اجتماعيّة واقتصاديّة يجب أن تخضع كغيرها من المسائل الاجتماعية والاقتصاديّة إلى القانون الوضعي للبلاد وبالتالي إلى دستوره. أمّا النصّ القرآني فقد كان في الماضي ومازال اليوم وسيضلّ غدا محلّ قراءات عديدة وتأويلات مختلفة ولا يحقّ لأحد غلق باب الاجتهاد إلا في المسائل العقائديّة. نحن نريد تطبيق الدستور التونسي الذي كتب بعد الثورة في كلّ المحالات ودون استثناء. لقد جاء في التوطئة « وتضمن فيه الدولة علوية القانون واحترام الحريات وحقوق الإنسان واستقلالية القضاء والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين والمواطنات » وفي الفصل 21 « المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز. تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامّة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريمتمثّل الحريّة والمساواة في جميع الميادين شرطين أساسيّين للحياة معاً في كنف الكرامة. ولا أنوي فتح نقاش حول مدى تطابق هاتين القضيتين للتّشريعات الإسلاميّة. بل أقول بكلّ بساطة: إنّ الظّروف الاجتماعيّة الحاليّة تلزمنا ببذل جهد وذكاء في القراءة والتّأويل والفهم، حتى لا نغرق في الاستبداد وفي التخلف الاقتصادي والاجتماعي. لقد قضى أسلافنا فعلاً على العبوديّة في أواخر القرن التاسع عشر عندما اقتضت الظروف الاجتماعية ذلك في حين أنّ القرآن أقرّها ونظّمها. أليس ذلك تأويل واجتهاد ؟ لقد نقّح أسلافنا أيضا قانون الأسرة وأعني مجلّة الأحوال الشخصية من أجل الانخراط في الحداثة. أليس ذلك تأويل واجتهاد ؟ وما على جيلنا الحالي إلاّ الشروع في تفكير محكم عبر استخدام أكثر الوسائل معاصرة ( التّأويلات، الهرمنيوطيقات، التّحليلات، الإحالات إلى النّصوص المقدّسة، وإلى النصوص المنظّمة للحريّات والحقوق …إلخ) من أجل الحصول على ما يقرّه دستورنا الجديد، بما يعني أنّ : المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات
أقدّم على وجه السّرعة مثال المنشور الصادر سنة 1973 الذي كان يمنع النّساء التونسيّات من الزّواج بغير المسلمين. والآية القرآنيّة التي يستند إليها العلماء لتأكيد هذا النّهي هي ﴿ وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ (سورة البقرة، 2/221)، ويظهر مكر هؤلاء العلماء وخداعهم في كونهم لم يطبّقوا هذا النّهي إلاّ على النّساء فقط. في حين أنّه يشمل في هذه الآية الرّجال والنساء كليهما. علاوة على ذلك، فإنّ النّساء المشركات والرّجال المشركون ليس المقصود بهم اليهود ولا المسيحيّين. وقرار هؤلاء الفقهاء بمنع الزواج بغير المسلمة هل هو نابع من قراءة أو من نصّ صريح؟ أنا أدعوا المفكرين والفقهاء وأهل الذكر بأن تكون لهم شجاعة الشّروع في حوار ونضال من أجل إرساء الحريّة والمساواة بين الرّجل والمرأة بصفة نهائيّة وكاملة في كلّ المجالات وأن لا تكون قراءتنا لنصوص ديننا متخلفة ودغمائية وأن لا نغلق على أنفسنا باب الاجتهاد. فالاجتهاد واجب والحريّة ضرورة والمساواة شرط العدالة

الأستاذ فتحي التريكي