الوقت لم يعد في صالح الرئيس

ترصد الأنظار في الداخل والخارج على حد السواء تطور المشهد السياسي في تونس في ضوء ما حصل يوم 25 جويلية 2021 حين أقدم رئيس الجمهورية على إقالة رئيس الحكومة وتعليق عمل البرلمان ورفع الحصانة عن نواب الشعب استنادا إلى قراءة خاصة للفصل 80 من الدستور، خطوة تجاوب معها المزاج الشعبي وباركتها بعض الأطراف السياسية والمدنية وعارضتها أطراف أخرى

ومنذ ذلك التاريخ، تواترت إطلالات رئيس الجمهورية التي يبرّر فيها ما أقدم عليه ويشرح كيف تحوّل « البرلمان » من خطر داهم إلى خطر جاثم، واجتهد بكل حزم لتوضيح الصورة للتونسيين وفي نفس الوقت لضيوفه الأجانب الذين توافدوا بكثافة على بلادنا خلال الأيام القليلة الماضية تحت يافطة الدعم الصحي والاقتصادي والسياسي ونُصرة لـ »استقرار المؤسسات مع الحفاظ على هذه الرّكائز الدّيمقراطيّة والإنصات إلى رغبة الشّعب التّونسي وتطلّعاته في إطار حوار مفتوح وشفّاف من شأنه أن يمكّن تونس من الانطلاق مجدّدا على طريق توطيد الدّيمقراطيّة » كما قال الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي على سبيل المثال

وكما صار معلوما فقد خلق ساكن قرطاج أمرا واقعا جديدا رجّحت كفته موازين القوى التي لم تعد لصالح « الأغلبية البرلمانية » و »الوسادة الحكومية » المنبثقة عن انتخابات 2019 بقيادة النهضة وشريكيها قلب تونس وائتلاف الكرامة، وأعلن في أكثر من مناسبة « الحرب » على الفساد وعلى المحتكرين وعلى « الواشين » بالوطن للخارج والمتربصين به شخصيا ورافقت ذلك بعض التعيينات والإقالات والإيقافات وبقي جوهر الموضوع – إن جاز القول – معلقا بما أننا لا نزال نترقب « خارطة الطريق » أو الترتيبات التي يراها سيادته مناسبة للمرحلة القادمة للقطع أولا مع الماضي والتأسيس الجديد

ولئن قال رئيس الجمهورية بأن « اللحظة » آتية بل واقتربت مثلما كشف عن ذلك بعض زواره ومخاطبيه على غرار رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الذي قال أن الإعلان عن اسم رئيس الحكومة قد يتم هذا الأسبوع، فإن الغموض متواصل واجتهاد « أنصار قيس سعيد » لا يشفي الغليل بما أنه يحمل في طياته تناقضات جمة ومسائل أو خيارات على درجة كبيرة من الأهمية لا يمكن استسهالها

وقد زادت تصريحات المستشار السياسي للرئيس الطين بلة، حين استعمل مفردات « قد » و »ربما » و »من المتوقع »، وسرد جملة من الاحتمالات المفتوحة كوجود « اتجاه إلى تغيير النظام السياسي في تونس، وربما عبر استفتاء » وأن « الدستور الحالي أصبح عائقاً أساسياً، ويُفترض تعليقه، ووضع نظام للسلطات المؤقَّتة » وأن : برنامج الرئيس التونسي قيس سعيّد أصبح على بعد خطوات قليلة، ومن المتوقّع أن يجري إعلانه قريباً

هنا، ومادام الاحتمال قائما فان الحسم بالتأكيد مازال معطّلا والثابت حتى الآن كما كشف « المستشار » وجود « برنامج » للرئيس، ومثلما ذكرنا سابقا فقد اختار ساكن قرطاج تمرير برنامجه أو مشروعه تمريرا ناعما لكن عامل القوت لم يعد في صالحه في تقديرنا خصوصا وأن طيفا من المشهد « متطوع » لـتسهيل مهمته » وفي نفس الوقت يزداد تصلب معارضيه

في خندق المساندين جاء التطور اللافت في الالتقاء واللقاء غير المسبوق الذي جمع قيادة الحزب الدستوري الحر بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل أول أمس الجمعة ولئن كانت المعلومات « النقابية » شحيحة فإن عبير موسي كشفت ما يلي : وتعليقا على الزيارة كتبت عبير موسي التدوينة التالية :  » توجهنا بطلب منا إلى مقر الإتحاد العام التونسي للشغل وقابلنا السيد الأمين العام ووضعنا بين أيديه مبادرتنا المتمثلة في استعدادنا لتسهيل مهمة رئيس الجمهورية لحل البرلمان داخل الأطر الدستورية والدعوة لانتخابات مبكرة في الآجال القانونية وطلبنا من المنظمة رعاية التمشّي الهادف لتجميع القوى المدنية التقدمية قصد تحقيق ما يصبو إليه التونسيون دون تفكيك الدولة ومؤسساتها

وبالامس أيضا جدّد نور الدين الطبوبي المطالبة بالوضوح وفي نفس الاتجاه قال الامين العام المساعد سمير الشفي أن تفرّد الرئيس بالقرار غير مقبول « ولن نقبل أن نكون مجرد رعايا.. والإتحاد لن يقبل بدور المتفرّج « . كما نشر الاتحاد خارطة طريق أعدها لإخراج البلاد من أزمتها بطريقة تشاركية

في المقابل، يجد خصوم قيس سعيد كل الذرائع المشروعة لتبرير مخاوفهم ورفضهم لـ »النهج الأحادي » و »الغامض » و »المغامر » الذي اختاره ويمكن هنا التمييز بين « الخاسرين » في منظومة الحكم الذين فقدوا مبدئيا كل شيء بعد 25 جويلية وانغمسوا في مشاكل وارتدادات داخلية تنظيمية علاوة على تخبطهم وحرجهم في المراهنة على الداخل والاستقراء بالخارج، وطيف آخر من القوى المدنية والسياسية التي عارضت منذ البدء ما أقدم عليه الرئيس واعتبرته انقلابا على الديمقراطية وفيه أحزاب كانت داعمة و »صديقة » للرئيس على غرار التيار الديمقراطي وأخرى معارضة شرسة مثل حزب العمال الذي اعتبر أنّ التلويح بتعليق الدستور اليوم واعتماد قانون مؤقت للسلط العمومية وتشكيل لجنة لصياغة دستور جديد بقرار فردي، هو عملية خطيرة تفتح الباب للانفراد التام بالسلطة والالتفاف على تطلعات الشعب ومكاسبه بما فيها التي حملها دستور 2014 والتي فرضها النضال الشعبي والديمقراطي وأهمها المكاسب المتعلقة بالحقوق والحريات ومدنية الدولة واستقلالية القضاء والاحتكام إلى هيئات رقابية وتعديلية

هي لحظة فارقة في تاريخ البلاد وامتحان صعب لديمقراطيتنا الناشئة المتعثرة ويظل السؤال الأهم والتحدي الرئيسي هو كيفية إرساء الدولة الديمقراطية الاجتماعية، دولة الحق والقانون التي ينعم فيها الشعب الحرية والكرامة والعدالة في ظل ضعف الثقافة الديمقراطية وضعف الديمقراطيين كي لا نقول غيابهم

مراد علالة