القوّة للعالي و الصّبر للزوّالي

كنت بالأمس على الطريق في السيّارة و فجأة تخرج عليّ شاحنة و تكرهني على السّير وراءها و إذا بي أقرأ في مؤخّرتها « القوّة للعالي و الصبر للزوالي » فضحكت في نفسي و قلت فعلا هو « الكميون » العالي و أنا الزوّالي بسيّارتي فلا خيار لي إلاّ أن أصبر في المسير وراءه. و لكنّي سريعا ما تداركت و عاتبت نفسي التّي لم تنتبه إلى أنّ « العالي » صفة من صفات الرّحمان و أنّ القوّة لله العالي و بشّرِ الصّابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا للّه و إنّا إليه راجعون. و ما كدت أطمئنّ إلى هذا التّأويل حتّى عدت إلى اتّهام نفسي كيف لم تنتبه إلى عبارة « الزوّالي » وهي عبارة تخرج بي من السياق الدّيني إلى السياق الاجتماعي و السياسي « فالزوّالي » في بلادي هو الكادح الذي زالت راحته و زال مقامه في طلب الرزق، و سيكون « العالي » (و العالي ربّي) هو المتقوّي عليه و لا خيار « للزوّالي » إلاّ الصبر على قهر المتغطرسين من السياسيين و غيرهم

فوجدت نفسي ذلك « الزوّالي » أمام سائق الشاحنة و أمام خالقي و أمام الساسة من بلادي. و رأيت أنّ هذه القولة الشعبيّة قولة حكيمة جمّة المعاني بل هي قولة رشيقة فيها سجع و ازدواج و فصاحة. ووجدت نفسي شاكرا لمن كتبها و روّجها على الطريق العام و ووجدت نفسي سعيدا لأنّي بقراءتها و تبيّن البعض من أغوارها قد ربحت يومي و تزوّدت بشيء من الصّبر على أوجاعي الدّينيّة و الدّنيويّة

الدكتور الهادي جطلاوي