الشّارع والخارج وما تيسّر من التقيّة… الغنوشي يحرّك آخر أوراقه في بِرْكة العبث

ليس تماهيا مع استطلاعات الرأي المثيرة للجدل أو تعقيبا على بعض القراءات «العاطفية» التي تتحدّث عن نهاية النهضة أوعن تجدّدها ونهوضها، فهي تنظيم لم ينته بعد، وفي نفس الوقت لم يعد كما كان بعيد 2011، فالجماعة الإسلامية تشهد اليوم لحظة فارقة، ليست مريحة بالتأكيد وما يزال «الشيخ» المؤسس يملك بعض الأوراق كما يقال وها هو يلعبها في محاولة لتسجيل النقاط في بركة العبث السياسي والقيمي الذي تشهده البلاد وفي ظل استمرار الأزمة المركّبة الجاثمة

عاد راشد الغنوشي إذن بقوة إلى المشهد مستفيدا من بطء خصمه اللدود، رئيس الجمهورية وضبابية مشروعه السياسي، وموظفا كالعادة الشارع والخارج وما تيسّر من التقية للإيهام بوجود علاقة بين الإسلام والديمقراطية وبأن هذه العلاقة محمودة ومناسبة لتونس بشهادة «الأصدقاء» في الديمقراطيات العريقة التي لم تكن لتنهض لو لم تفك الارتباط بين السياسة والكنيسة

في هذا الصدد، وردّا على خروج أنصار الرئيس إلى شارع بورقيبة لتجديد البيعة والتحفيز على «المساءلة» الأحد 8 ماي الجاري و«استجابة لدعوة مواطنون ضد الانقلاب وجبهة الخلاص الوطني» دعت النهضة أنصارها للمشاركة في المظاهرة الشعبية هذا الأحد 15 ماي في نفس المكان وهذا يعني أننا عدنا إلى ما أسميناها «حرب الشوارع» واستعراض القوة دون الأخذ بعين الاعتبار لمخاطر ذلك خصوصا وأن أطرافا أخرى جاهزة لفتح جبهات خاصة في هذه الحرب كالحزب الدستوري المعتصم بدوره في الشارع قدام مقر ما يسمى «جمعية القرضاوي» دون أن ننسى الاحتجاجات السياسية والاجتماعية لكثير من الفئات

وفي علاقة بالخارج، وعلاوة على ما يأتيه القيادي البارز والنائب السابق المقرب من راشد الغنوشي في العواصم الأجنبية ماهر مذيوب من «لوبيينغ» و«تحريض سياسي» لدعم موقف تنظيمه، وإلى جانب اللقاءات مع بعض الأجانب من السفراء والمسؤولين الضيوف على بلادنا، يطلّ الشيخ في الإعلام التركي هذه المرة وليس القطري ويدلي بحوار إلى قناة «تي ار تي» التركية يوم الأربعاء 11 ماي 2022 يخصصّ أغلبه لدحض ونقد رئيس الجمهورية

ويقول الغنوشي في الحوار أن «الرئيس مغرم بجمع السلطات بيده وهذا مناقض لجوهر الديمقراطية» ويؤكد أن مهمة هذا الأخير وفق الدستور هي: توحيد صف التونسيين لا تقسيمهم وإقصاءهم

ويتمادى الغنوشي في محاججة الرئيس وتحدّيه وتذكيره بمواقف الحركة ويقول له عند التعرض للقضاء «نحن من أشد المدافعين عن استقلال القضاء ونرفض ضغوط الرئيس على القضاة» ويضيف ايضا أن «الثورة رسخت دولة القانون داخل مؤسسات الدولة ونثق في وقوفها على الحياد» ويذهب إلى حد استهجان ما يأتيه الرئيس ويتساءل متهكما ; كل ليلة رئيس الجمهورية يقول لوزيرة العدل شبيك ما شنقتهمش

ليس ذلك فحسب يعتبر راشد الغنوشي قرار الرئيس بإعادة تشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات «استمرارا في تفكيك مؤسسات الدولة» وفي المقابل يغازل الإتحاد العام التونسي للشغل ويعتبر موقفه من الأزمة : يتطور بشكل إيجابي دعما لحوار وطني شامل

في غضون كل هذا يواصل «الشيخ» نهج التقية ويرمي الكرة في ملعب ما يعرف اليوم بجبهة الخلاص التي تحاور حسب زعمه «بقية القوى الوطنية الأخرى من أجل التجمع للتصدي لهذا الانقلاب والدفاع عن الدستور» والحال أن الجميع في الداخل والخارج يدرك جيدا أن النهضة هي العمود الفقري لهذه المعارضة بالذات التي تختلف عن بقية الأطياف المعارضة يمينا ويسارا، وهي بعد استنفاد واهتراء قدرات بعض الوجوه في جماعة «مواطنون ضد الانقلاب» فوّضت أمرها كما يقال لوجوه تاريخية وازنة في الساحة أبدت الاستعداد لخدمة أجندتها بحجة اكراهات اللحظة السياسية والتاريخية الراهنة

ويواصل الغنوشي الإيهام باستمرار وجود مجلس نواب الشعب ولا يتوانى عن توقيع بيان مثلا باسم رئاسة هذا المجلس يوم 10 ماي للتعبير عن : القلق الكبير

ويحسب للشيخ ولحركته صراحة الحفاظ على الحد الأدنى من العمل التنظيمي المنتظم من خلال المواظبة على اجتماعات هياكل وأطر التنظيم كاجتماع المكتب التنفيذي الدوري أو اجتماع هياكل الحركة في الجهات وآخرها اجتماع جهة تونس العاصمة بالمقر المركزي مونبليزير الأحد الماضي وهي فرصة للحشد والتعبئة والتعبير عن الوجود في مناخ كانت كثير من المؤشرات تفيد بتبخر مشاريع جماعات الإسلام السياسي فيه غير أن من افتك مهمة الاضطلاع بأعباء الحكم كما اتفق منحه جرعة أوكسجين

بقلم: مراد علالة