السعودية تلغي أحاديث منسوبة للنبي لا تتوافق مع القوانين والمواثيق الدولية

يحتل الرسول (ص) موقعا أساسيا في البناء الفكري الإسلامي لأنه الواسطة بين الله وعباده فالتسليم بصدقه شرط أساسي للإيمان برسالته وبما جاء فيها من توحيد وغيره، لهذا السبب بالذات اتجه الفقهاء إلى تغليظ العقوبات وتشديدها ضدّ كل من ينقد الرسول(ص) أو يشكك في الأخبار والمرويات التي نجدها في كتب السيرة وكتب الحديث رغم أن الكثير منها لا يستقيم إذا وضعناه على مسطرة التجربة أو نقدناه استنادا إلى المقاييس العقلية والمبادئ العلمية، لينحسر النقد والدرس من متن الحديث ومضمونه إلى السند وينشأ بذلك علم الجرح والتعديل، إهمال النظر في المضامين بجانب الخلافات السياسية والعقدية أدى إلى تضخم مبالغ فيه للأحاديث المنسوبة إلى الرسول(ص) خدمة لهذا الطرف أو ذاك فأصبح لكل فرقة مدونتها الحديثية للسنة كتبها ورواتها وللشيعة كذلك وكذا للإباضية

فيما يخص أهل السنة لديهم مدوّنة حديثية ضخمة لم يتجاوز عدد أحاديثها المتواترة أي التي رواها جماعة عن جماعة عن جماعة بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب المائة أو أكثر بقليل ويحتل المتواتر أعلى درجات الصحة وذلك من ضمن عشرات الآلاف من الأحاديث التي نجدها في الصحاح الستة التي رواها فرد عن فرد ورغم أن درجة صحة هذه الأحاديث مشكوك فيها إلا أنها تعتمد بحسب ما يشترط صاحب المذهب من ذلك أن حكم الردة الذي هو القتل ويرفع في وجه كل من له رأي مخالف لا نجد له أثرا في القرآن بل اعتمد في تشريعه على حديثين اثنين لا غير رواهما أولا الأوزاعي الذي عاش أواخر الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية وكان نصيرا للدولتين ممّا يثير الشكوك حول صدقه فيما روى وثانيا عكرمة مولى ابن عباس وقد اشتهر بالكذب عليه ونصهما : « لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة » و: « من بدل دينه فاقتلوه » استنادا إلى هذين الحديثين المشكوك في صحتهما كُمِّمت الأفواه قديما وحديثا واغتيل أصحاب الرأي المخالف أما من طرف السلطة كما حصل مع الشهيد محمود محمد طه في السودان أو من طرف أحد المؤمنين طالما أن الشرع يأمر بذلك أما في الحالة التي يصعب فيها تنفيد ما سمّوه حد الردّة فإنهم يلجؤون مثلا إلى تدمير الروابط الأسرية كتطليق الزوجة من زوجها مثلما فعلوا مع المرحوم نصر حامد أبو زيد، إن شعار تطبيق الشريعة الذي ترفعه مختلف التنظيمات الإسلامية هو في حقيقته إحكام للقبضة على الناس بواسطة مرويات وأخبار منسوبة للرسول صنعتها السلطة أو علماؤها تأبيدا لحكمها وسيطرتها فالمتأمل في القرآن وهو الكتاب الأساسي المتكون من 6236 آية نجد فقط 245 آية متعلقة بالمعاملات كالتالي

1) 70 آية تتعلق بأحكام الأحوال الشخصية.
2) 70 آية تتعلق بالمعاملات التجارية كالرهن والإجارة وغيرهما.
3) 30 آية تتعلق بالأحكام الجنائية التي تستهدف حفظ الحياة البشرية والأعراض والأموال.
4) 30 آية تتعلق بالقضاء والشهادة وغيرهما.
5) 10 آيات تتعلق بما للأفراد من حقوق وواجبات.
6) 25 آية تتعلق بعلاقة المسلمين بغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى.
7) 10 آيات تتعلق بالمسائل الاقتصادية تجوّزا كحق السائل والمحروم.

ومن الجدير بالملاحظة أن هذه الأحكام وردت بصيغة التعميم ولم يرد التفصيل فيها إلا فيما يتعلق بالأسرة، فهل بهذا القدر الضئيل من القواعد يمكن لِمَا سمي شريعة أن تستجيب للوقائع التي لا تنتهي قال الشهرستاني: « وبالجملة نعلم قطعا ويقينا أن الحوادث والوقائع في العبادات والتصرفات ممّا لا يقبل الحصر والعدّ ونعلم قطعا أيضا أنه لم يرد في كل حادثة نصّ ولا يتصوّر ذلك أيضا والنصوص إذا كانت متناهية والوقائع غير متناهية وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى عُلم قطعا أن الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار حتى يكون بصدد كل حادثة اجتهاد »(1) هذه الفجوة الكبيرة التي تركها المشرّع بدون إجابة بدل أن تكون محلا للاجتهاد سارع علماء السلطان بسدّها للاستحواذ على سلطة الإفتاء والتوجيه والتحكم في المجتمع عبر تجميع الأحاديث والمرويات عن الرسول ووصل بهم الأمر إلى الاختلاق لنجد أن البخاري مثلا جمع حوالي 600 ألف حديث لم يصحّ لديه منها بشرطه سوى 2761 حديثا(2) وحتى ما صحّ لدى البخاري نجد فيه ما هو مكذوب ولا يصحّ واقعا ولا عقلا بل فيه ما يحمل حتى القدح في مقام النبوة كقوله إن الرسول صلى بلا وضوء(3) أو أنه كان يختلي بالنساء ويقول لهن إنكن لأحب الناس إليّ(4) أو إباحته التجربة في الزواج(5) ومباشرته الحائض(6) وغير هذا كثير، ورغم ما في صحيح البخاري من هنات وفضائع فإنه لدى أهل السنة العمدة في الحديث والمرجع في كل ما يطرأ على حياة الناس ووصل الأمر إلى القول بأنه أصحّ كتاب بعد كتاب الله ويحلف به الناس قائلين: « والشفاء والبخاري »(7) أو قولهم: « ياخي غلطت في البخاري » هذه المكانة التي تبوأها البخاري ومن شابهه من المحدثين مكنت فقهاء السلطان من منع أي نفس حرّ وتكميم الأفواه استنادا إلى أحاديث مشكوك في صحتها، ومن الجدير بالملاحظة أن نقد المدونة الحديثية في اتجاه تشذيبها ممّا علق بها من خرافات وأخبار لا سند لها لا نجده إلا في بعض المقالات الضائعة في بطون المجلات ولم يتجرأ على هذا العمل سوى الشيخ محمد أبو رية في كتابه « أضواء على السنة المحمدية » الذي طبع عشرات المرات وووجه من طرف الأزاهرة ومن لف لفهم بحوالي 15 كتابا للردّ عليه فضلا عن تكفيره وإهالة سجف النسيان حوله

اليوم يخرج محمد بن سلمان ولي العهد في المملكة السعودية بقول كُفِّر أصحابه ووصفوا بأقذع النعوت ليصرّح بأن المملكة التي دستورها القرآن لن تستعمل من الأحاديث سوى المتواتر أما أحاديث الآحاد فلن تعتمد منها سوى ما اتفق مع القوانين والمواثيق الدولية وهو ما يعني أن كتلة كبيرة من الأحكام والقواعد السلوكية التي تستند إلى مرويّات حديثية ضعيفة سوف لن يتم اعتمادها مسنقبلا وفي تقديري أن هذا الموقف من الأمير مفيد من نواح متعددة من بينها

1) إلجام المؤسّسات الدينية الرسمية عن تكفير كل مخالف لها، فما أن ذاع نبأ الموقف الأميري حتى رحبت به هيئة كبار العلماء في السعودية التي اشتهرت بتكفير خلق الله حتى الوهابيين منهم فضلا عن تكفيرها الزعيم بورقيبة وغيره أما شيخ الأزهر فقد خطا خطوة في نفس الاتجاه بدعوته إلى « عدم ‏تقديس التراث الفقهي، أو مساواته بالشريعة » ولا ننسى أن الأزهر كان وراء اغتيال فرج فودة وتطليق نصر حامد أبو زيد ومنع أولاد حارتنا لنجيب محفوظ وغير ذلك من الجرائم التي ارتكبها في حق مصر ومثقفيها، أما لدينا فإن الجامعة الزيتونية التي دأب أساتذتها على تحبير العرائض وإمضائها لتحقيق أهداف سياسية تحت ستار الشرع والشريعة فقد صمتوا ولم نسمع لهم حسا.
2) تحرير الكُتَّاب من الرقابة الذاتية التي يلزمون بها أنفسهم عند بحث المسائل المتعلقة بالتدين وبالإسلام وهي مواضيع يسهل استغلالها لتحريك العوام وإثارتهم ضد كل صاحب رأي

والتساؤل الذي يطرح نفسه هل أن التنوير والاتصال بالعصر ومقاومة القديم المتهالك مهام يقوم بها المثقفون أو أنها مرهونة برغبة الحاكم ترجمة لقول عثمان بن عفان : إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن

بقلم : أنس الشابي

الهوامش
1)  » الملل والنحل » للشهرستاني تحقيق عبد العزيز محمد الوكيل، نشر مؤسسة الحلبي وشركاؤه القاهرة 1968، 2/4.
2) « أضواء على السنة المحمدية » الشيخ محمود أبو رية، دار المعارف القاهرة 1980، ط5 ص272.
3) ونصه: « حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا سليمان قال حدثني يحي بن سعيد قال أخبرني بشير بن يسار قال أخبرني سويد بن النعمان قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر حتى إذا كنا بالصهباء صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر فلما صلى دعا بالأطعمة فلم يؤت إلا بالسويق فأكلنا وشربنا ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى المغرب فمضمض ثم صلى لنا المغرب ولم يتوضأ » صحيح البخاري، الطبعة الأولى، مصر المحمية 1304 هـ، 1/37.
4) ونصه: « حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن هشام قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلا بها فقال والله إنكن لأحب الناس إلي » صحيح البخاري 3/191.
5) ونصه : « حدثني إياس ابن سلمة بن الأكوع عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال فإن أحبا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركا، فما أدري أشيء كان لنا خاصة أم للناس عامة قال أبو عبد الله وبينه علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه منسوخ » صحيح البخاري 3/177
6) ونصه : « حدثنا قبيصة قال حدثنا سفيان بن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد كلانا جنب وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض وكان يخرج رأسه إلى وهو معتكف فأغسله وأنا حائض » صحيح البخاري 1/46، وجاء في حديث آخر: « …سمعت ميمونة تقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض رواه سفيان عن الشيباني » صحيح البخاري 1/47
7) الشفاء يقصد به كتاب « الشفاء في التعريف بحقوق المصطفى » للقاضي عياض