التعليم في تونس في زمن الكورونا: صرخة فزع

أثّرت جائحة كورونا تأثيرا سلبيا على التعليم والمتعلمين بسبب الانقطاعات المتكررة وقد أشعرت الأمم المتحدة بخطورة الوضع في العالم وفي البلدان النامية محدودة الدخل مثل تونس التي يصل التأثير السلبي فيها على الناشئة إلى 99 بالمائة

فليس الأطفالُ بخير وليس تلاميذ المدارس الابتدائية والإعدادية ولا حتى شباب المرحلة الثانوية وطلبة الجامعات بخير. ليس هؤلاء الذين نتحمل مسؤوليتهم ومسؤولية تكوينهم وأمنهم العقلي والنفسي بخير. ها قد مرت السنة الثانية في زمن كورونا بتمدرس متقطع وبنصف البرامج أو أقلّ وبنسق تعليم غير بيداغوجي ولا صحي نفسيا ولا عقليا، سنتان كان فيها أطفال السنوات الأولى الحلقة الأضعف لأنهم في طور اكتساب المهارات اللغوية والحسابية الأساسية. فبأي عدة سيواجهون بعد سنوات هذا العالم متقلب الأطوار ومتغير الأحوال والذي أمست الحياة فيه تتطلب الكثير من المهارات؟ إن تدني تكوين هذا الجيل لا يهدد بالانقطاع المدرسي فقط بل يتوعدنا بآفات من كلّ نوع كتفاقم الجريمة والإرهاب والتفكّك الاجتماعي. فالمجتمع التونسي يصارع من سنوات عشر تحولات عميقة وتقلبات تاريخية صعبة وبتأثير الجائحة وانقطاع التمدرس وغلق المدارس وتأثيره الخطير على العقول والنفسيات فإن القارب الذي يصارع للنجاة قد تتفاقم إمكانيات غرقه في بحر التحولات الصاخبة المدمرة للفئات الضعيفة المتزايدة بسبب تعطيل الأزمة الاجتماعية و السياسية والجائحة لعجلة التنمية

ها قد أصدرت وزارة التربية منشورا تسمح فيه « للرّاغبين » في تدريس السنوات النهائية من الالتحاق بأقسامهم، وتعلم فيه ببقاء اللجنة المكلفة في حال تأهّب دائم، فيما انتشرت شائعات على مواقع التواصل الاجتماعي تحدث بانتهاء السنة الدراسية فقد يعود التلاميذ لانجاز فروضهم لإنجاح الامتحانات لا غير. وفي الأثناء تسجّل يوم 23 افريل أعلى حصيلة وفايات منذ بدأت الجائحة ب107 ضحية فارقتنا، وتتزايد أعداد المصابين ويصرح وزير الصحة بتفاقم الوضع الوبائيّ، وتتفاقم الأزمة الاقتصادية

لقد قدمت اليونسكو منذ سنة 10 توصيات لضمان استمرارية جودة العملية التعلميّة من بينها اعتبار التحديات النفسية والاجتماعية أولوية قصوى وضرورية لتوفير بنية عادلة ومتينة للتدريس عن بعد لكن في تونس انكشفت هشاشة البنية التحتية لنظامنا التعليمي التونسي وعدم قدرته على مجابهة التحديات والأزمات المفاجئة، فبعد سنتين من الجائحة لم تتمكن الدولة التونسية من تأمين بنية افتراضية للتعليم ولا من تلقيح الإطار التربوي الذي كان يجدر اعتباره في مقام الجيش تماما فنحن في حرب حضارية بل حرب وجودية سلاحها الوحيد تكوين العقول والبصائر وتنمية الأجيال وطبعا لم تحلّ بكل تأكيد مشاكل القطاع المزمنة المتعلقة بالحقوق النقابية والأجور والانتدابات

10 سنوات بعد الثورة شهدت فيها المدارس والمعاهد تحولات عميقة ليست بالضرورة نحو الأفضل: احتجاجات بحق وبغير حق وانقطاعات وصراعات ايديولوجية وصراعات مصالح وتفقير للإطار التربوي وسلعنة للمعرفة وأوبئة قيميّة وأخلاقية وإيديولوجية وفضلا عن الحجر وتبعاته النفسية على العائلات وما ينجرّ عنه من ضغوط على الطفولة كارتفاع العنف المنزلي وازدياد الكآبة والقلق النفسي وتفاقم الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها على العائلات فإنّ نسق الزمن المدرسي المتقطع ومشاكل الإطار التربوي الذي ليس في نهاية المطاف سوى مرآة عاكسة لأزمة المجتمع برمته تضعنا أمام لوحة شديدة القتامة

إن المخاوف من تأثير هذه الكارثة على المجتمع هائلة وحقيقية فماذا أعددنا لمجابهة الفقر المتزايد في تونس بسبب الاختيارات الاقتصادية والشروط العالمية المجحفة وارتفاع المديونية وعجز الدولة وشللها وفشل الحكومة الحالية واعتمادها على الطبقة الوسطى لترقيع الأزمة المستفحلة بمزيد من الضرائب ومزيد من الغلاء والمزايدات السياسية العقيمة وعدم الحسم في الخيارات الكبرى للمجتمع الذي نريد. وماذا أعددنا لمجابهة المزيد من الجهل المقدس الذي سيجد الفرصة سانحة ليعشش في نفسيات مرهقة مراهقة وعقول لم نحصنها كما ينبغي؟ ماذا أعددنا لمجابهة الإرهاب وقد صار لامرئيا وعابرا للفضاءات حيث ينتقل عبر الواب كما تنتقل سلالات الكوفيد ويتجدد كلما ظننا أنا أنهيناه، ويعشش في العقول المتعبة غير المحصنة بالوعي والاهتمام؟ ماذا أعددنا لهذا الجيل الذي سيرث عشرية من التعطيل والبطالة والخوف والتفاوت الشديد بين الجهات والطبقات والفرص في التعلم والحياة والتقدم؟ ماذا أعددنا للأطفال الذين يعدون مشانقهم في قرانا الموحشة الحزينة؟ ماذا اعددنا للأطفال الذين سيتحولون إلى دواعش بسبب عجزنا وتقصيرنا وعدم التزامنا الجماعي بإنقاذهم قبل فوات الأوان؟

بقلم زينب التوجاني