أنا مواطن صالح

أنا عائد من توّي من القباضة الماليّة يغمرني شعور طافح بأداء الواجب الوطني و تحمّل المسؤوليّة. لقد خلّصت منذ حين خطيّة تجاوز السرعة القانونيّة على الطريق العامّ. كان ذلك بالأمس في نار القائلة و كنت تعدّيت السّبعين إلى الخامسة و الثمانين و كان الرادار المتحرّك و إدارة الحرس الوطني في غاية اليقظة تحت ظلال القنطرة. و كان الحرس الوطني الذي أوقفني شابّا يافعا وسيما و كان متخلّقا بخلق الدولة، حيّاني مبتسما متأدّبا و طلب منّي أوراقي بكلّ لطف و شرح لي الموقف، و لمّا أعاد لي أوراقي مع وثيقة الخطّيّة شكرته قائلا : « يكثّر خيركم » و كاد أن يأخذها على معنى السّخرية و كاد يغضب و طلب منّي أن أعيد ما قلت و لكنّه قرأ في قسمات وجهي صدقا و تقديرا فشكرني وانصرفت يغمرني شعور غريب بالوطنيّة و قلت في نفسي الحمد لله الذي أتاح لي مرّة أخرى فرصة المساهمة في دعم صناديق الدّولة و إنجاز مشاريعها الوطنيّة. و إنّما قلت مرّة أخرى لأنّه سبق لي دفع مثل هذه الخطايا في طرق سيّارة ملزمة بسرعة الخمسين فدفعت الستّين و الأربعين عن يد و أنا سعيد لا كما قالت الآية : عن يد و هم صاغرون
و ممّا زاد حرصي على دفع الواجب الوطني اليوم في ساعة مبكّرة نصيحة زوجتي بأن آخذ واحدا من سراويلي معي في السيّارة على وجه الاحتياط فأنا رجل أرتدي « الشورط » في فصل الصيف و قد بلغنا في هذه الأيّام منع الكثير من النساء و الرجال من دخول العديد من الإدارات بلباس ما فوق الركبة. قالت زوجتي إذا منعوك من دخول القباضة بالشورط فعُدْ إلى السيّارة و البس السروال و لا تتخلّ عن أداء الفريضة. و لكن فاتني أمر مهمّ لم أقرأه في وثيقة الخطيّة إلاّ في آخر لحظة وهو أنّ معلوم الخطّية إذا لم يُدفع في ظرف خمسة عشر يوما من تاريخه تضاعفت قيمته. و لو دريتُ لأخّرتُ الدّفع حتّى أضخّ في جيوب الدّولة مالا أوفر
و لا أشكّ أنّ فيكم العديد من المواطنين الصالحين السّعداء أمثالي الفخورين بحرسنا الوطني و نظامنا الجمهوري

الدكتورالهادي جطلاوي