لماذا سوريا ؟ ولماذا ذهبنا الى دمشق؟ ولماذا سنعود اليها؟

أغلب من إغتاض من زيارة الوفد البرلماني ولقائه بالرئيس السوري (الذي أصابهم في الصميم) حاججنا بالأسطوانة المعروفة : كيف تلتقون رئيسا ينتهك حقوق الانسان في بلده ويقمع شعبه الثائر ويقصف مظاهراته السلمية بالبراميل المتفجرة؟

الصحبي بن فرج

الصحبي بن فرج

طيب، لن أناقش ما يردده هؤلاء، على سذاجته… وأشير فقط الى أننا لم نسمع لهم كلمة واحدة تحتج او تدين لقاء الرئيس السابق المنصف المرزوقي منذ أسابيع (وقبله السيد راشد الغنوشي) بالرئيس السوداني عمر البشير وهو المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الجرائم ضد الانسانية!!!والابادة الجماعية!!!! والاشراف المباشر على جرائم الحرب والفضائع التي ارتكبتها ميليشيات الجنجويد في إقليم دارفور
هل شرفهم لقاء المرزوقي بالبشير؟ هل تبرؤوا منه ؟ هل طالبوا بمحاسبته « سياسيا »؟
شخصيا لا أؤمن بصدقية قرار الإحالة على الجنائية الدولية واعتبره مسيسا ومنحازا ويتم توظيفه لابتزاز السودان تمهيدا لتقسيمه….. ولكني أسوق هذا المثال فقط لأبين للجميع مستوى السكيزوفرينيا الحقوقية/السياسية التي تؤكد أن الخطاب الأخلاقوي الذي يلوكه أصحابه من السياسيين هو مجرد مزايدة ومتاجرة وتوظيف سياسي : يستعملونه متى أرادوا وحيثما أُمروا وضد كل من تأتي التعليمات لتشويهه وحصاره،
هو في الواقع خطاب سياسي منافق يتم توظيفه لفائدة أجندة سياسية : وطنية واقليمية ودولية 
في المقابل ياتي نفي العلم الرسمي بالزيارة ليضفي على الحملة التي طالت الوفد البرلماني،غطاءً رسميا لبِقًا وخفيًّا ليصبح المشهد فعلا سوريالي »تتوافق » فيه أصوات الحراك والنهضة والنداء على موقف واحد: ممنوع أن تذهب تونس الى سوريا وممنوع أن تعود سوريا الى تونس
ماذا تخفي هذه الحملة السياسية المتجمّلة بالماكياج الحقوقي ؟
اولا، الزيارة أعادت الى الأذهان ما يريد البعض فسخه من الذاكرة الوطنية أي جريمة قطع العلاقات مع سوريا هذا القرار الذي تاجر برمزية الثورة التونسية لإطلاق عملية دبلوماسية ضخمة تؤدي الى عزل الدولة السورية وتزامن مع اجتماع مجلس الامن بطلب قطري لوضع سوريا تحت البنود السابع الذي سقط بفضل الفيتو الروسي الصيني المزدوج
تذكر الزيارة لمن يريد ألا يتذكر بأن قطع العلاقات شكّل العنوان السياسي الرسمي لتصنيف سوريا كدولة عدوّة للدولة التونسية
وبالتالي مهد للغطاء « المعنوي » والشرعي لانطلاق الجهاد المسلح نحو سوريا
يخشى تجار الحقوق والسياسة أن تنقلب المعادلة وتكون رمزية تونس الديموقراطية منطلقا لكسر الحصار السياسي والدبلوماسي على الدولة السورية
فتسقط أسهمهم في بورصة الأوراق الثورية التي وضعوا فيها كامل رصيدهم
ثانيا، هذه الزيارة تذكر من يريد أن يتذاكى علينا أن سوريا تخوض حربا ضد نفس الارهاب الذي نواجهه : منظومة وأشخاصها وفكرا وممارسة
وأن جزأً هاما من الحقيقة (ومن المنظومة) موجود في الشام
وأن إعادة الجسور بين أجهزة الدولتين سيعيننا حتما على تجميع أجزاء الصورة بما يحفظ أمن شعبنا ومناعة وطننا
ثالثا، هذه الزيارة تؤسس لاستكمال النصر العسكري السوري على الارهاب التكفيري بفك العزلة السياسية والدبلوماسية المفروضة على الدولة السورية إنطلاقا من نفس البوابة التونسية
وهذا يمثل هزيمة سياسية لا يمكن تخيل أبعادها على الممثلين الرسميين للمحور المعادي لسوريا
هم يدركون جيّدًا أن العالم العربي يعيش اليوم مخاضا حقيقيا لنظام عربي جديد يقوم على مركزية الدولة الوطنية القوية التي تحفظ السيادة وتتمسك بالأرض وتتحكم في القرار والمقدرات ولا تتعارض مع مبادئ الانسانية : العدل، الحرية، الانتخابات، التعددية والتنافس السياسي وتؤسس بالتالي لمشروع نهضة حقيقي شامل
هذا النظام العربي الجديد يصطدم بالضرورة بالمشروع الاخر (المتراجع حاليا بعد سنوات الاندفاع الاولى) الذي يقوم على تفكيك الدولة الوطنية لفائدة منظومة إيديولوجية عابرة للأوطان
سوريا وتونس هما « جناحي » هذا النظام الجديد: الاولى انتصرت في معركة السلاح والثانية نجحت في معركة الانتقال السياسي من نظام الاستبداد الى نظام الانتخاب
تخيلوا المشهد
لذلك، ولان القضية أعمق من مجرد زيارة، أو مقابلة رئيس …….لن ينجحوا في جرنا الى المهاترات والمعارك الجانبية
لذلك نحن ذهبنا الى سوريا 
ولذلك سنعود اليها ولن نهدأ حتى تعود سوريا الى تونس

الدكتور الصحبي بن فرج النائب بمجلس نواب الشعب و عضو الوفد الذي زار سوريا