غرورٌ ونرجسيّة وذبح من الوريد الى الوريد

كلّ يوم أحد صباحا، ألقاه أمام سوق سقط الثياب بالمنزه الثامن بالعاصمة. هو شاب وسيم، أسود، قادم من السنغال. يتكلّم فرنسيّة. يبيع قلائد وأخراص صنعها بيديه. حين أتعب من التجوّل في السوق، أمشي إليه وأجلس حذوه حتّى تعود زوجتي. تحبّ زوجتي النبش في سقط الثياب. تقضي الساعات بين

شيحة قحّة

شيحة قحّة

الدكاكين، تقلّب، تبحث، علّها تلقى وتغنم ما كان من ثياب… أتركها وأمشي أتحدّث الى الشابّ. أسأله كيف يرى الناس والبلاد. قال « مأساة التونسيين في ما يحملون من نرجسيّة، من غرور. يعتقد التونسيون أنّهم أفضل البشر. أنّهم صرّة الكون وكلّ الكون لهم عاشق، حاسد »… في كلام الشابّ صواب كثير. يذهب الظنّ بالتونسيين أنّهم الأذكى، أنّهم الأفضل وأنّ العالم بهم مبهور، معجب. يعتقد التونسيون أنّهم خير أمّة. أنّهم درّ ومرجان
لا أدري لماذا نحن في مثل هذا الغرور. لا أتبيّن سبب هذه النرجسيّة وسرّ هذا الرضا التامّ في حين يشكو المجتمع التونسي من عديد العاهات وفيه خور وفقر وجهالة… تونس بلد متخلّف وللخروج من التخلّف يجب أن ينتهي التونسيون من مثل هذا الغرور الضارّ. إن أردنا التطوّر، إن شئنا أن نرتقي، يجب أن نعيد النظر، أن نتبيّن ما في الأنفس من وهن وأدران
في ما يلي أسوق ثلاث حالات فيها دليل على ما نحمل من سوء، من ضياع
الحالة الأولى لها صلة بالتوريث في الشغل. بعض النقابات في المؤسّسات وفي الوزارات تدعو صراحة أن يجب انتداب العاملين باعتبار الروابط الدمويّة. تدعو النقابات الى تشغيل أبناء الشغّالين دون سواهم. في نظر النقابات، القطاع العامّ حبس لشغّاليه ولأبنائهم… هذا التوريث في الشغل نراه في قطاع القضاء، في الصيدليّة، في السياسة… مع البطالة، أصبحت النقابات تطالب جهرا بالتوريث وتتفاوض مع السلط وتصدر البلاغات لتؤكّد أحقّيّة الشغل لأبناء من كان بعد شغّالا. لتحقيق الغاية، بعض النقابات أضربت واعتصمت رغم علمها أنّ التوريث مخالف للقوانين وللأخلاق…
الحالة الثانيّة لها علاقة بالتعليم العالي وما يحصل فيه من بطء ومن لامبالاة. في حديث معه، قال وزير التعليم العالي الجديد إن لجان الاصلاح الجامعي انطلقت في النظر سنة 2012 وبعد عديد اللقاءات تمّ سنة 2015 إنجاز مشروع الاصلاح. هذا المشروع، كما كنت كتبت إبّان صدوره، هو مشروع فضفاض، هو فقط إنشاء، لا يصلح للإصلاح… في حديثه، أكّد الوزير أنّ في منتصف سنة 2017 ستعود اللجان الى الاجتماع لتفعيل المشروع والانطلاق في الاصلاح… منذ سنة 2012 الى يوم الناس هذا، مازالت وزارة التعليم العالي في التشاور مع الأطراف. منذ نحو ستّ سنوات ونحن نتفاوض وننظّم اللقاءات وندفع بالمشاورات تلو المشاورات دون أن ترى الجامعة إصلاحا. في انتظار التفعيل، تمشي الجامعة بخطى ثابتة الى الضياع
الحالة الثالثة لها علاقة بما يأتيه بعض الناس المتديّنين في هذه البلاد. قال صاحبي وأكّد قوله آخر. في سوسة، في السنة الماضيّة، كان أن التقى كهل يبيع حلوى ولبّانة أمام المدارس بتاجر يبيع موادّ غذاء. كان البائع والتاجر صديقين، يصلّيان معا، بانتظام، في نفس المكان. كانا يتبادلان الرأي وكلّ يقول ما يجب فعله حتّى تطمئنّ القلوب ويصفو الإيمان… مرّة حصل خلاف. قال البائع « إن أمّ الرسول عليه الصلاة والسلام لم يلحقها القرآن وماتت غير مسلمة وبالتالي مصيرها النار ». قال التاجر « لن تمشي أمّ الرسول الى النار ولسوف يشفع لها ابنها وهو على ذلك قادر ». تمسّك كلّ برأيه بل احتدّ النقاش فقال التاجر علّه يفحم صاحبه الناكر « هل تعتقد أيضا أنّ سوف تحشر مريم أم عيسى في النار؟ » قال البائع المنكود « نعم. ذاك مصير كلّ من لم يتّبع دين الاسلام وذاك ما جاء في القرآن ». غضب الرجلان ومشى كلّ في اتجاه. بعد أيّام ذبح البائع من الوريد الى الوريد وتم القبض على التاجر. لم ينكر التاجر ما فعل وقال إنّ البائع صاحبه من المرتدّين الكفّار وحكم المرتدّ الكافر هو إهدار دمه في الحال. ذبح البائع وترك من بعده سبع صغار وحبس التاجر في إحدى سجون البلاد

بقلم شيحة قحّة