متى تكون لنا شجاعة إصلاح ديننا؟

الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل الله بعضهم على بعض و بما أنفقوا من أموالهم فالصّالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله و اللاّتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع و اضربوهنّ :الآية 34 من النساء4

الهادي جطلاوي

الهادي جطلاوي

استمعت مساء  يوم 6 أكتوبر إلى قناة الزيتونة الإذاعيّة تتناول، مثل غيرها من مختلف وسائل الإعلام هذه الأيّام، قضايا كرامة المرأة و التنديد بممارسة أشكال العنف المادّي و المعنوي المسلّطة على شخصها. و قد استدعى البرنامج من جملة ضيوفه إماما ينير المستمعين بموقف الدّين الإسلاميّ، طبعا، من الإساءة إلى المرأة و قد اجتهد، بارك الله فيه، في تخريج الموقف الديني تخريجا حسنا متعاطفا مع المرأة و لكنّه اصطدم بالآية الواردة أعلاه التّي تنصّ نصّا صريحا على ضرب المرأة و قد اجتهد مرّة أخرى، بارك الله فيه، أن يخرجها على ألطف صورها. و رأيته بعد أن عدت إلى تفسير الطبري متشبّعا بما أورده الطبري في تفسير هذه الآية لا يزيد عليه شيئا. غير أنّي لم أسمعه يبدأ من البداية لأنّ القصّة تنطلق من مبدإ قوامة الرجال على النساء و أفضليتهم المتمثّلة، كما يقول الطبري، في « سَوْقهم إليهنّ مهورهنّ و إنفاقهم عليهنّ أموالهم و كفايتهم إيّاهنّ مُؤَنهنّ.. » و بناءً على ذلك كان من حقّ الرجال أن يهجروهنّ و أن يضربوهنّ و لكنّ ذلك الهجر و ذلك الضرب ليسا اعتباطييْن فلنْ يكونا إلاّ في حالة نشوز المرأة أي عندما  » تنظر النساء إلى ما لا ينبغي لهنّ أن ينظرن إليه و يدخلن و يخرجن و استراب الرجال بأمرهنّ البغضَ و المعصيةَ للزوج.. » ثمّ إنّ الضرب مسبوق بالوعظ و التوعيّة فلا يكون إلاّ في آخر المطاف بعد استنفاد الخطاب السلميّ ثمّ إنّ الضرب، إن كان، فلا يكون إلاّ ضربا خفيفا غير مبرّح كأن تضربها بالسواك و ما شابهه. فكان أن اقتنع الحضور بعلوّ مقام المرأة في الإسلام و كانت منشّطة الحصّة أوّل المقتنعين و المقنعين
و تساءلتُ متى تكون لنا شجاعة إصلاح ديننا فنعترف أنّ تلك الرحمة القرآنيّة بالمرأة كانت في عصر الرسول ثورة على الراهن في زمن لم يكن للموؤودة حقّ الحياة و كان من شيم المروءة عتق الرقبة و متى ستكون لنا الشجاعة لتفسير القرآن تفسيرا مقاصديّا متأصّلا في تراثنا و حاضرنا ينزّل الأحكام في سياقها التاريخي فيعظّمها في سياقها و ليس في أزليتها و لكنّه يجاري سهمها (التفسير السهمي) في تطوير المجتمع بما يحبّه الله و تقتضيه السّاعة. و مثلما تجاوزنا قطع يد السارق و جلد الزاني و زواج الأمة و عتق الرقبة وجب أن تكون لنا الشجاعة لمجاوزة القوامة و التكريم نحو المساواة و تلك إرادة الله و إرادة القرآن
إنّ الذي يزعج شيوخنا اليوم أن تتخلخل مقولة صلوحيّة القرآن لكلّ زمان و مكان. إنّهم لا يحبّون أن يروا خلود القرآن في أسلوبه و بلاغته و قيمه السّاميّة فيتعلّقون بأحكام عظيمة ساعة نزولها و لكنّها لا تناسب سياقنا الحضاري الراهن. إنّ تجاهلنا لأسباب النزول يوقعنا في ازدواج الشخصيّة مع عصرنا ازدواجا هو اليوم محلّ تندّر العرب و الأعاجم نعيش الحاضر بقوانين الماضي دون أن تكون لنا شجاعة اليهوديّة و لا المسيحيّة في الفصل الصريح بين التراث و الحداثة و انتهاج القنطرة الأخلاقيّة الرابطة بينهما و لعلّ في ذلك سببا عظيما من أسباب تقدّمهم و سببا عظيما من أسباب تخلّفنا

الدكتور الهادي جطلاوي