محمد بن سالم يُهدّد التونسيين

بالأمس القريب هدّد رفيق عبد السلام – فيلسوف الجماعة الثاني – التونسيين قائلا : « إما التوافق مع النهضة وإما الحرب الأهلية »؛ وبعد ذلك بقليل أعاد راشد الغنوشي التهديد نفسه : « إما التوافق وإما الحرب الأهلية »؛ واليوم يهدّدُ محمد بن سالم التونسيين في عجرفة ظاهرة بإيقاف دفع الرواتب للموظفين إذا توقف التوافق مع النهضة. ثم إنك تفتح صفحات التواصل الاجتماعي فتجد من أتباع الجماعة كل أصناف السب والشتم واللعن والتكفير والتهديد بالويل والثبور لمن ينتقد النهضة، لأنها هي الإسلام كلُّهُ وما عداها فكفر؛ بل إنك تقرأ هذه الأيام الصحافة الإخوانية – وخاصة جريدة الرأي العام في عددها الأخير – فتجد المنطق نفسه : الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في الحكم لأن الإسلام ليس دين عبادات فقط بل هو دين معاملات صالحة لكل زمان وكل مكان، والرفض الصريح لما أقرّه الدستور من حرية الضمير والمعتقد، ونفي لفقه المقاصد والمصالح وتشبث صارمٌ بفقه « العِلَل ». وقد نال الشتم صديقنا الشاعر منصف المزغني لأنه دعا إلى الفصل بين الدين والسياسة

وأريد أن أتساءل : ما الموجب لهذه العجرفة كلها؟ هل هي الرغبة في التغطية على الكوارث التي حلت بالبلاد منذ أخذت الجماعة الحكم زمن الترويكا؟ أم هي طبيعة عند الجماعة تعبر عن نزوعها إلى الجهل أو الجهالة وهي جفاء الخلق والسفه في السلوك، وقد قام الدين الإسلامي الحنيف على نقيضها لأنها من السلوك الجاهلي؟ بل أنتَ لا تَعْدَمُ أن تقرأ من حين لآخر مثل هذا الكلام في وصف « النخبة » – والمقصود هم الحداثيون – بمثل الجمل التالية: « شبكات عنكبوتية رديئة تتنادى من كل حدب وصوب لتخرج كل ما في جعبتها من رداءة وحقد وجرأة على ثوابت الدين الإسلامي بكل عنجهية وصلف ودون أدنى تحفظ ولا احترام لمشاعر الملايين من أبناء شعبنا التونسي ». وأصحاب مثلِ هذا الرأي يحشرون في » الشبكات العنكبودية الرديئة الحاقدة على ثوابت الدين الإسلامي » منصف المزغني لأنه لا يحب خلط السياسة بالدين، ويُدْرِجُونَ فيها كل الذين انتقدوا سلوك مدرب المنتخب الوطني في كأس العالم بروسيا لما أتاه من شعوذة دالة على تخلّف حقيقي في التعويل على القُوى الغيبية للانتصار عوض التعويل على الذكاء والممارسة الحِرَفيّة، أما بشرى بالحاج حميدة فقد سبق فيها القول بالكفر وإقامة الحدّ عليها، وكأننا في أفغانستان تحت حكم طالبان

وللتونسي أن يستغرب حقا عندما يتابع هذا السيل من المواقف العدائية من التونسيين وكأن النهضة تمثل التونسيين جميعا بينما هي تعرفُ والناس داخل البلاد وخارجها يعرفون حجمها الحقيقي السياسي والاجتماعي. وللتونسي أن يستغرب أكثر عندما يعلم أن قادة الحزب قد أقاموا الدنيا ولم يقعدوها وهم يبشرون التونسيين والعالم بأنهم انتقلوا من الإسلام السياسي إلى الإسلام الديمقراطي وأنهم قد فصلوا بين الدعوي والسياسي وأنهم قد اعتنقوا التوجهات « المدنية ». فأين الديمقراطية وأين المدنية في التهديد بالحرب الأهلية إن لم تُشْرَك النهضة في الحكم؟ وهذا يعني أنه يجب أن تكون في الحكم سواء رفعَتْها صناديق الاقتراع إليه أو أنزلتها عنه؛ ثم أين الديمقراطية وأين المدنية في تهديد التونسيين بقطع الرواتب عن الموظفين إن توقف التوافق مع الإسلاميين؟ ثم أين الديمقراطية وأين المدنية في التصدي لكل من يعبر عن رأي حر فيه دعوة إلى الاجتهاد في الدين بحشره ضمن « الشبكات العنكبوتية الرديئة » التي تتجرأ على ثوابت الدين الإسلامي وتستفز مشاعر « الملايين من شعبنا التونسي »، وكأن هذا « الشعب » هو « شعب النهضة »! فمن هم الحاقدون الحقيقيون المنتمون إلى « الشبكات العنكبوتية » الحقيقية بعد هذا؟

هل هم أتباع الإسلام السياسي الذين دأبوا – رغم محدوديّة عددهم – منذ سنة 2011 على تكفير المخالفين لهم وتهديدهم بالحرب الأهلية وسبهم وشتمهم ورميهم بأقذع الصفات دفاعا عن مشروع لا يمكن له أن يتحقق في تونس حتى إن أقيمت « دولة القهر » التي بشر بها عبد الفتاح مورو، لأنه يشد البلاد والعباد إلى الوراء، أم هم المدافعون عن تونس المدنية والحداثة والساعون إلى فتح أبواب المستقبل للبلاد وللعباد، وهم الأغلبية ، معبرين عن آرائهم بالحرية التي يضمنها لهم القانون؟ هي غرائب وعجائب تقع على مرأى ومسمع من الناس جميعا دون حسيب أو رقيب، وقد ذهب الحُسَباء والرُّقَبَاءُ في الحقيقة بالتوافق المغشوش الذي تهدد الجماعة كل من يفكر في التخلي عنه، ثم هم قد ذهبوا لأن جلّ الطبقة السياسية بكل أطيافها من اليسار الذي يدعي الحداثة إلى اليمين المعتدل منافقون انتهازيون لا غاية لهم من السياسة إلا تحقيق المصاالح الذاتية والمطالبة بجزء من الغنيمة

الدكتور ابراهيم بن مراد