طرًد علي لعريض من كلية الأداب بمنوبة : درس في حدود الحرّية المطلقة

أن تكون الجامعة شعبيّة و أن يكون التعليم ديمقراطيّا و أن يكون البحث العلمي موضوعيّا فهذه شعارات حاملة لأحلام كثيرا ما يكون الواقع مكذّبا لها أو محدّدا لطموحاتها أو مقصّبا لأجنحتها. و الدكتور محمد بن الطيّب من خيرة من كوّنت الجامعة التونسيّة و وحدة البحث التّي يشرف عليها من أطرف ما تتعلّق به همّة الباحث. و ممّا يبرّر طرافة هذا المبحث اشتغاله على واقع المجتمع بعد أن قضّت الجامعة التونسيّة حيّزا من الدّهر تشتغل، في أبحاثها، على الأموات من الأعلام و القديم من القضايا. بل شاءت وحدة البحث هذه أن تهتمّ بأحدّ قضايا الحاضر و أدقّها و أخطرها في جمعها بين الدّين و السياسة. و كان عليها، لهذه الأسباب و لغيرها، أن تتّخذ الحيطة في كلّ خطوة تخطوها حتّى تمشي على البيض بخطى صحيحة ثابتة

.و ليست مشاركة عليّ عريّض و عبد الحميد الجلاصي في أعمالها العلميّة داخل الحرم الجامعيّ إلاّ وجها من وجوه المغامرة و المخاطرة. فهذان الرجلان من الفاعلين السياسيين المباشرين المتّهمين، عن حقّ أو عن باطل، بالدم يلوّث أيديهم و بالفساد الإداري و السياسي و الاجتماعي يُسرع بالبلاد إلى الهاوية. فما المطموع في استضافتهما سوى تبريرهما لساحتهما و ما المأمول من مناصريهما سوى التّصفيق لهما و من معاديهما سوى القيام في وجهيهما في حرم جامعيّ لم ينس بعدُ أنّ من أنصارهما من أسقط من على كلّية الآداب بمنوبة علمَ الجمهوريّة و رفع مكانه علم الظلاميّة. و لهذا كان الصدام متوقّعا و كان العلم و البحث و الموضوعيّة مهدّدة و كانت شهادة هذين الرجلين غير مطلوبة و كان البحث العلمي مرغوبا بغير هذا الحضور الذي ما تزال جروحه تنسف بالبلاد و العباد. فلم يكن حضور هذين الرجلين منصفا و مدعّما للبحث العلمي الذي وجب أن يتواصل في هذه القضيّة المهمّة المستغنية عن هذين الرجلين و عن غيرهما من بقيّة الأحزاب المدمّرة لبلادنا و ما تزال

الدكتور الهادي جطلاوي ،عميد كلية الآداب بسوسة سابقا