شركة تأمين تُعلِم حريفها بحلول الأجل…أطال الله في أجلكم

حلول الأجل

العارفون باللغة العربيّة من متعلّمين و معلّمين و باحثين و الغيورون من هؤلاء و أولئك على سلامتها يسوءهم من يوم لآخر ما يسمعونه و ما يقرؤونه في الكتب و الجرائد و التواصل الاجتماعي و المعلّقات في المحلاّت العموميّة و الشوارع من الأخطاء اللغويّة على اختلاف أنواعها. و قد بلغ التفنّن اللاّإراديّ القائم على الجهل باللغة و عدم التحرّج فيه درجة من « الإبداع » و « التفنّن » و الغرابة أصبح معها محلاّ للتشهير والتندّر و التفكّه و الإمتاع
و الغيرة على العربيّة درجات ثلاث كدرجات تقويم المنكَر، فمن الناس من يقوّم الخطأ بيده و منهم من يقوّمه بلسانه و منهم من يقوّمه بقلبه و ذلك أضعف الإيمان. و قد حاولت مثل غيري أن أقوّم الخطأ بيدي في قسمي مع تلامذتي في الثانوي و مع طلبتي في العالي و ساهمت في دراسة الخطإ بالبحث فيه و حاولت أن أقوّمه بلساني كلّما رأيت في معلّقات الإدارة و المصالح ما يستوجب التدخّل و التنبيه إلى رسم الهمزة في مداخل المدارس « الإبتدائيّة » و معاهد « الإمتياز » و غير رسم الهمزة من الأخطاء و لا أخفي عليكم استقبال الأطراف المعنيّة في الغالب ببرودة متفاوتة قد تصل أحيانا إلى تصنيفي ضمن أصدقاء الحاج كلوف المتجاوزين لحدودهم
و ما كنت لأكتب هذه الأسطر لولا الرسالة التّي وصلتني منذ يومين من شركة تأمين السّيارات تذكّرني بحلول الأجل. و قد صدمتني هذه العبارة المكتوبة بالحروف الغليظة الثخينة و لولا أنّني قرأت تحتها بالفرنسيّة العبارة السليمة  لأسقِط في يدي و لرأيتها رسالة من السّماء تنذرني بحلول الأجل المحتوم. و لم أتردّد في مفاتحة مدير الفرع التّأميني في الموضوع فأجابني مبتسما « اللطف عليك سي الهادي و سأرفع ملاحظتك إلى سلطة الإشراف » و اقترحت عليه في إصلاح المطبوعة الإداريّة التعديل الآتي: حلول أجل الدّفع » و شتّان بينه و بين « حلول الأجل » بألف و لام التّعريف. و لم يخف عليّ اقتباس هذه العبارة من السياق القرآني و تذكّرت أنّ القرآن كلّما دلّ بـ »الأجل » على مدّة زمنيّة دنيويّة أردفه بنعت فقال : لولا أخّرتنا إلى أجل قريب (الآية 77 من سورة النساء) و قال بتواتر ظاهر : و سخّر الشمس و القمر كلٌّ يجري لأجل مسمّى (الرّعد2\ 13) و قال : إذا تداينتم بدَين إلى أجل مسمّى فاكتبوه  » (282 من البقرة). أمّا إذا استخدم القرآن عبارة « الأجل » خالية من النعت فكانت اسما نكرة أو كانت مضافة إلى اللّه أو لبني الإنسان فإنّها تحمل معنى الوقت المحدّد الفاصل بين مغادرة الدّنيا الفانيّة و الالتحاق بالرفيق الأعلى، فقالت الآية مثلا: و لكلّ أمّة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون(34 من الأعراف) و قال: إنّ أجل الله إذا جاء لا يؤخّر : الآية4 من سورة نوح 71)
و لم يكن حلول الأجل بألف و لام الاستغراق من شركة التّأمين إلاّ حاملا للأجل المحتوم من غير قصد و بدون تأمين طبعا. نسأل الله حسن العاقبة و أطال الله في أجلكم

الدكتور الهادي جطلاوي