من دروس كأس العالم : في النجوميّة

حفيدي حسام صغير ممتاز و لكنّي في مواجهة تربويّة معه منذ ما يزيد على السنة، منذ أن التحق بصفّ الكبار و الصغار العاشقين لنجوم كرة القدم العالميّة فهو متفحّص لمعالمهم البدنيّة في أدقّ دقائقها و متعشّق لحركاتهم و سكناتهم و متتبّع لأخبارهم و أجورهم و حتّى انتماءاتهم السياسيّة و الخيريّة و عبثا حاولت أن أنسّب من انبهاره بهم و أن أصغّر من حجمهم الإلاهي و أن أنزل به إلى حجمهم الإنساني حتّى جاءت كأس العالم لكرة القدم و إذا برونالدو و مسّي يخفقان في تسجيل ضربات الجزاء و يُوفّق فيها من هو دونهما ثمّ إذا بكلّ الفرق المعتمدة على النجم الفرد ذي الأجر الخيالي قد أقصيت من الثمن النهائي و إذا بهؤلاء النجوم عاجزون عن تحقيق النصر بل إنّ أنانيتهم على الملعب في احتكار الكرة و إنّ أولويتهم في الاستئثار بها باسم النجوميّة هي التّي جلبت لفرقهم الخسارة و أنّ النصر في نهاية الأمر كان حليف النجوميّة الجماعيّة. و لك أن تقيس نجوميّة كرة القدم بالنجوميّة في كلّ القطاعات المهنيّة و التنافسيّة. ففي النجوميّة دون ريب كفاءة و تميّز و امتياز، و لكنّ ذلك إن لم يكن مقرونا بروح التواضع و التجدّد و التشارك و التعاون مع الجماعة فإنّ مآله الفشل طال الزمن أم قصر. و النجم قد يكبر حجمه في السماء و قد يسطع نوره في الظلام و لكنّه لا يقدر على طمس النجوم حوله و لا أن يؤسّس لوحده كوكبة أو مجرّة في الفضاء
و قد وجدت في إخفاق هذه النجوم معبودة الجماهير سندا أحتجّ به على غلواء التمجيد و شطط التعظيم و هممت بطرحها على حفيدي لإقناعه بتنسيب العمل البشريّ غير أنّه فهم مقصدي و سبقني إلى الدرس بالتعبير عن خيبة أمله فيمن نصّبهم فوق البشر و توهّم لهم من الخوارق ما تعمل أبواق الدعاية المأجورة على ترسيخه في الأذهان و تمريره على الأذقان

الدكتور الهادي جطلاوي