تونس : بلغ السَّيْل الزُّبى

لقد بلغ الأمر بالسياسة و الاقتصاد و التعليم و الثقافة و الاجتماع في بلادنا من السّوء و الرداءة و الاحتيال و الفوضى و العجز ما لم يعد في قدرتنا احتماله و لم يعد في عقولنا استيعابه و لم يعد في ألسنتنا استنطاقه. إنّا نرى قيمنا و مكتسباتنا تحترق من يوم لآخر و لم يبق في الشمعة إلاّ أنفاس ضعيفة نراها تذوب و تتبخّر من يوم إلى يوم. لم يعد في بلادنا سرّ من أسرار الخراب نجهله و نجهل أسبابه و نجهل مقترفيه و لم يعد في البلاد حلّ لما نحن فيه نجهله و نصدح به فالدّاء معروف و الدّواء معروف و الطبيب مفقود. و ضحكت تونس ضحكة انفلق لها شاربها و قال شكري بلعيد

يقولون ليلى بالعراق مريضة *** ألا ليتني كنت الطبيب المداويا

و مات الطبيب بدائنا و دوائنا. و اعتلى الخشبة البهاليل من اليمين و من اليسار فهذا متاجر بالدّين في يده سبحة و في عينيه جحوظ و في وجهه بشاعة و هذا متاجر بالتاريخ يخيط له عذريّة جديدة و هذا متاجر بقيم الخردة اليساريّة. لقد اكتسحوا ساحة المسرح و توزّعوا أدوار المسرحيّة و « البرّاني على برّة » و « الّي عندو ريح يذرّي عشرة. » و « حصّل ما في الصدور« . حسبة البلديات و البرلمانيات حسبة محسوبة. إلى الجحيم الوطن. إلى الجحيم المواطن. و دارت علينا الدّائرة و وأوصدت الأبواب دوننا. لن نموت جوعا و لن يقتلنا الجهل و لن يقتلنا العجز و إن قتلتنا الغصّة ف »يمشي الجافل و يجي الغافل » و تتواصل المسرحيّة و سنجد في القاعة من يملؤها و نجد للبهاليل من يصفّق لهم
و يبقى لنا، رجال تونس ونساؤها، حلّ وحيد قاومناه طويلا باسم العقل و باسم العلم و باسم الثقافة و لكن لا حلّ لنا سواه وهو شبّاك سيدي محرز و عروة سيدي عمر الفيّاش و انفتاح باب العرش في رمضان القادم إن كتب الله لنا أن نكون من الأحياء وسط هذا الركام من الأموات

الدكتور الهادي جطلاوي