الشيخ « المعتدل » إلي ڤَتْلاَتَا الرِجْله

إن الذين ينادون بالتطبيق الحرفي لما جاء في النص القرآني و الجازم بأن للذكر حظ الأنثيين ينادون في واقع الأمر بالعدول عن المنظومة القضائية التونسية الحديثة. وقد يكون رئيس الدولة قصد إمتحان إسلام المشايخ ومدنية الإسلام السياسي بتآكيده على مدنية الدستور فوضعهم في موقف يجبرهم على التخلي عن المواقف السياسوية و اللف و الدوران المعهود لما يوصف بالفكر المشرقي التقليدي . خاصة إذا ما ذكرنا بأنه المحامي الذي شهد الثورة التي قام بها الحبيب بورقيبة وهو لم يزل وزيرا أول في حكومة الأمين باي والمتمثلة في توحيد القضاء بالتخلي عن المحاكم الشرعية الإسلامية المالكية ـ الحنفية وعن محاكم الأحبار بالنسبة للتونسيين اليهود وهو ما جعل المنظومة القضائية التونسية تستند إلى تشريع للقوانين أساسه فقه القضاءالمدني ويستأنس في بعض الحالات بأحكام الشرع . والإستئناس يحيل على الإجتهاد في تأويل الأحكام الشرعية بالتوفيق بينها و ما تقتضيه الحكمة من ملاءمة التشريع للواقع المتجدد للمجتمع التونسي الذي تدين أغلبيته بالإسلام . وما تجدر الإشارة إليه هو أن توحيد القضاء بتمدينه سيجبر المشرع على إعتبار مقاصد النص الديني متجاوزا بالضرورة موقف المحافظين الذين يقرأون القرآن على حرف وينادون بإخراج القوانين الشرعية المتصلة بالميراث من دائرة القانون المدني وأن لا يكتفي المشرع المدني بالإستئناس بها كما وقع قبوله بالنسبة لمجلة الأحوال الشخصية التي منعت تعدد الزوجات. وقضية الحال تتصل إذا بمفهوم توحيد القضاء الذي نتج عنه تحرير القوانين المتصلة بالأحوال الشخصية من سلطة المشايخ و الأحبار . ومن المعروف أن أغلبية القوانين المتصلة بالأحوال الشخصية في العالم قد وقع تخليصها من مرجعياتها الدينية السابقة و الإكتفاء بمواصلة طقوسها لمن يختار ذلك دون أن يكون لذالك مفعول قانوني يذكر. فبالنسبة للقانون الفرنسي الزواج بالكنيسة يعتبر لاغيا ما لم يتبعه أو يسبقه زواج مدني . أما بالنسبة لتونس فإن الزواج عن طريق العدول و دون إشراف رئيس البلدية أو من ينوبه عليه لا يصح إلا بعد تسجيله لدى البلدية حيث يكون للعدول صفة المساعد للسلطة المدنية التي يمثلها رئيس البلدية. وخلافا للزواج الشرعي فإن العقد لا يمضى من طرف الزوج وولي الزوجة بل من طرف كل من الزوج و الزوجة . والمشايخ المعممون و الملتحون مثل فريد الباجي الذي يدعي الإعتدال و يتهم الباجي قايد السبسي بأنه ينادي بدين جديد لا يمكن فهم قبولهم التخلي منذ 62 سنة عن الفقه الشرعي في كل ما جاء بمجلة الأحوال الشخصية و عدم قبولهم التكفيري بالفعل و بالقوة للمساواة بين الرجل و المرأة في قضية الميراث لا يمكن فهمه إلا كرفض مبدئي لتمكين المرأة من حقها في العدالة الإقتصادية بينها و بين الرجل حتى لا تكتمل مقومات حريتها كمواطنة يضمن لها الدستور حق المساواة بينها و بين الرجل. و التفكير الرجعي و المحافظ لا يهمه احترام النص القرآني بقدر ما يهمه الحفاظ على إمتيازات الرجل في مجتمع « ڤتلاتا الرجلة كما يعبر عنه بالدارجة الجزائرية . والغريب في الأمر أن الإحتجاج على مقترح الرئيس أساسه تخيير المُوَرِِّث بين تطبيق النص القرآني على حرف وبين تطبيق القانون المدني القاضي بالعدل و المساواة بين االأبناء و البنات باعتبار أن في ذلك بث للفتنة و الإقتتال الدموي بين أفراد العائلة الواحدة. ومعنى ذلك أن مقاصد النص القرآني حسب الشيخ فريد الباجي تتمثل في تكريس الظلم و عدم السماح للمرأة بأن تتمتع بما أوصى به الدين الإسلامي من عدم التمييز بين عامة البشر إلا بالتقوى فما بالك بالتمييز بين من تربط بينهم صلة الرحم

الأستاذ الناصر بالشيخ