الخبز أم الحرّيّة ؟؟؟

كانت قناة « سكاي نيوز العربيّة » الإماراتيّة تبثّ بالأمس مائدة مستديرة حول الوضع في تونس و كان الصوت الطاغي على هذه المائدة هو الإلحاح على فشل هذا الذي يسمّونه « الثورة » التونسيّة أو هذا « الربيع العربي » الذي بشّرت به انتفاضة الكرامة ضدّ ابن عليّ.و كان المسكوت عنه الشائط من هذه المائدة هو خطاب موجّه إلى العرب المستعربة في بلاد الخليج خاصّة فيه تنبيه و تحذير من مغبّة الانفعال و التفاعل مع التجربة التونسيّة. و قد شاء هذا التنبيه و هذا التحذير أن يكون رصينا حواريا مقنعا مفحما فاحتجّ على الفشل التونسي بحصيلة الثورة التّي جاءت بربح و بخسارة، أمّا الربح فهو حرّية التعبير و أمّا الخسارة فهي الجوع و العرى و الفقر المدقع و تساءلت المائدة المستديرة عن أيّهما أولى و أهمّ : الخبز أم الحرّية؟ و أجابت جوابا متأكّدا أن لا خير في حرّية بدون خبز و أنّ المرء الجائع ميّت و إن كان حرّا و أنّ المرء الشبعان حيّ و إن كان فاقدا لحرّيته و دعت المائدة المستديرة إلى حياة البطن و الجسد و بجّلتها على حياة النفس و الإباء
لو تذكّر هؤلاء الصحافيون أو المثقفون المرتزقة بيت المتبّي : « عش عزيزا أو مت و أنت كريم… » و لو لم يبيعوا ضمائرهم ببعض متع الدنيا لقالوا عكس الذي قالوا. لقد تجاسر التونسيون على المطالبة بما ليس في الجينات العربيّة : طالبوا بالديمقراطيّة و الحرّيات الفرديّة و الجماعيّة و مثل هذه المطالب العزيزة تقطع بسببها الرؤوس و تقطع بسببها الصحاري و البراري و يتعرّض بسببها الجسم إلى الجوع و العطش و الانتهاك و مع ذلك فإنّ التونسيين قد قطعوا في سبيلها شوطا و كسبوا فيها معارك و إن لم يكسبوا فيها الحرب بعدُ. و كان أولى « بإخواننا » العرب أن يشدّوا من أزرنا و أن يتثقّفوا بثقافتنا ثقافة عزّة النفس و الكرامة و أن يهبّوا إلى الطمع في الديمقراطيّة حتّى و لو كانت كلفتها في سوريا و غيرها كلفة ثقيلة. و رغم ما تعيشه تونس اليوم من جوع و فاقة و فساد سياسيّ فإنّ إصرار المجتمع و إصرار المرأة ثابت لا يتزعزع و لكنّي لا أظنّ هذا من مفردات الخطاب عند إخواننا الخليجيين. و إنّي أرى حالنا عندهم ملخّصة في قول أبي الطيّب 

ماذا لقيتُ من الدّنيا و أعجبه – أنّي بما أنا شاكٍ منه محسود

الدكتور الهادي جطلاوي