إنّما المرء حديث قبله

أنا من التونسيين القلائل الذّين لا يتابعون كرة القدم التونسيّة و لا يفقهونها و لذلك فأنا من القلائل الذين لم يفهموا وفاة المرحوم عبد الخالق السّعداوي طيّب الله ثراه

الهادي جطلاوي

 و لكنّي من المتابعين بانتظام نشرة أخبار الثامنة على الوطنيّة الأولى و وجب أن أشاهد إقبال الكلبوسي الفتى الرصين في العادة، يجهش بالبكاء على الهواء و يتعطّل لسانه عن الكلام عند نعي زميله حتّى أفهم المصاب الجلل الذي حلّ بكرة القدم التونسيّة و الخسارة الفادحة التّي لحقت بالوطن في هذا الصحفيّ القدير و المنشّط الرياضي المرموق و قوي عندي الإحساس بالجهل و الذّنب لمّا شاهدت، من الغد، نقلا لجنازة المرحوم على القناة الثانية و شاهدت دموع منشّطة برنامج شباب in و تأثّرها الحائل دون توازنها
و قلت في نفسي إنّه حريّ بالمسؤولين أن يكرّموا مثل هذين الصحفيين لِما تحلّيا به من روح التأثّر البادي في دموع التماهي و تحشرج الأوتار و على قدرتهما العفويّة على التّأثير في المحبّين و في الجاهلين أمثالي. و قلت في نفسي أين منّا الفرنسيون !! رزئت فرنسا مؤخّرا في الفيلسوف جون دورميسون و النجم دجوني هوليداي و لم يبك صحافيوهم بكاء صحافيينا و حمدت الله على أنّ مصابنا في مثل هؤلاء الرجال قليل إذ يموت رجال تونس و نساؤها يوميّا فلا تذكرهم الإذاعات و التلفزات و يموت العلماء و العالمات و الوطنيون و الوطنيات فلا يٌذكرون لكثرتهم و تصوّروا لو أنّ الإعلام سيذكرهم جميعهم في كلّ يوم و ساعة. و لكنّ الإعلام نعى محمد الطالبي مثلا و لو لم يعرّف به سمير الوافي و نوفل الورتاني لما نال تلك الشهرة في آخر حياته و ما فاز بذلك النعي الإعلامي الذائع الصيت. و قلت في نفسي إنّي إذا بقيت على هذه الحال فسأموت موت المجهولين و أنّ عليّ، إذا أمدّ الله في أنفاسي أن أتدارك أمري و إذا شئت أن تكون لي موتة كموتة محمد الطالبي المؤلّف لأكثر من 25 مؤلّفا أو أقلّ منها فإنّه عليّ أن أسعى من هذه اللحظة إلى كسب مودّة رجال الصحافة و لا سيّما الصحافة التلفزيّة و الإذاعيّة حتّى إذا ما متّ نعوني و إذا ما نعوني بكوني. و بقي، في ظلّ التغيّر الدّائم لمواقع الصحافيين، أن أسأل الله أن يقدّر لنا جميعا الصحافيّ المناسب في الوقت المناسب و إنّا لله و إنّا إليه راجعون

الدكتور الهادي جطلاوي