خذ بيدي إلى زُوكِيرُو

من تابع منكم شريط الأنباء على الوطنية هذه الليلة يكون انتبه ربّما إلى الإشارة التي ختمت بها المذيعة إلى الحفل الذي أقامه بالأمس « زوكيرو » على مسرح قرطاج hedi jatlaouiالأثريّ. و سألت التلفزة السّاهرين مع « زوكيرو » فعبّروا عن إعجابهم و متعتهم و سعادتهم و حنينهم إلى هذا النجم الذي لم يزرنا منذ سنوات و عن تألقه الدّائم و قدّمت لنا التلفزة مقطعا أو مقطعين من حفلته فإذا به مطرب قد تقدّمت به السنّ و إذا به مغنّ يغنّي بلغة لم أفهمها و إيقاع لم أتبيّنه و استنجدت بذاكرتي عساها تسعفني بشيء في التعرّف على هذا النجم الذي حاز إعجاب بني وطني فلم أظفر بشيء و تأمّلت في اسم الرجل فلم أر فيه إلاّ أصواتا لو ترجمتها إلى العربيّة لأوحت بألفاظ نابية بذيئة و سقط في يدي و اتّهمت نفسي بالجهل و بمحدودية ثقافتي العامّة و ثقافتي الموسيقيّة خاصّة و رأيتني قد فاتني ركب الحضارة و تجاوزتني الأجيال بأميال و أميال و رأيتني غريبا قد تجاوزتني المذيعة بأشواط و تجاوزني المثقفون بأشواط و تجاوزتني الحكومة بأشواط. و قلت في نفسي الحمد لله أنّني أدركت عصر « القوقل » فهرعت إليه فنفعني، نفعه الله، بما لم تنفعني به المذيعة و أخذ القوقل بيدي فعلمت أنّه مغنّ إيطالي من مواليد 1955 و أنّه من مغنّي « الرّوك » و أنّ « زوكيرو » التي بدت لي بذيئة هي لقب لقّبوه به لحلاوته وهي تعني « السكّر » بالإيطاليّة و أنّ له إنتاجا غزيرا و جوائز كثيرة و صيتا غربيّا واسعا. و قلت في نفسي إن كان « زوكيرو » على هذا القدر من الشهرة و الألمعيّة فلماذا أنا لا أعرفه بينما أعرف غيره من مشاهير الغناء الغربي؟ و هل أنا على حقّ في الجهل ب »زوكيرو » أم هي ثغرة في تكويني؟ فإلى أيّ مدى تمثّل المعرفة بـ « زوكيرو » رافدا معرفيّا أساسيّا بغيابه يختلّ تكويني؟ ثمّ أليس من الواجب أن نحدّد الزاد المعرفي و المنهجي و الذوقي الأدنى للمواطن التونسي مثلما تفعل بقيّة الشعوب؟ و من المسؤول عن ذلك؟
لا أظنّ أنّ المعرفة بـ »زوكيرو » تدخل في باب المعارف الأصول. فإذا افترضنا أنّها من المعارف الفروع أفلا يكون من حقّ الأقليّات أن تتمتّع باستضافة هذا المغنّي الإيطالي لا سيّما و أنّنا اليوم في نظام ديمقراطيّ و الحمد لله
ألقيت نظرة بعد ذلك على قناة الجنوبيّة فرأيتها تغطّي من مسرح قرطاج نفسه مسرحيّة للأطفال بالفرنسيّة تتحدّث عن ملكة الثلوج وهي مسرحيّة أعجبت بعضا من الصغار و هجرها عدد من الكبار. فتأكّد عندي أنّي أعيش عصر ديمقراطيّة الثقافة و أنّ عليّ أن أتفتّح على ثقافة الأقليّات أو أن ألتحق بأهل الكهف

الهادي الجطلاوي