علّموا الأطفال وهم يلعبون

من أصعب ما تتولاّه الأمم أن تتعهّد أخلاق الناس و قيم المجتمع بما يحفظ توازنه و سعادته، و هذه مهمّة معقّدة، طويلة النفس تتجنّد لها جميع الطاقات الحيّة، و رأيت في

الهادي جطلاوي

احتفالات الغرب هذه الأيّام بأعياد الميلاد بابا من أبواب الإصلاح الاجتماعي ينفتح عبر اللّعب المهداة إلى الأطفال وهو باب تنزلق من خلاله دروس سلوكيّة يتبنّاها الصغير وهو لاعب. و مدار التعلّم و التدرّب، هنا، قائم حول تقريب الشقّة بين الجنسين و القضاء تدريجيّا على الفروق و الحواجز و المواجهات الصادمة بين الذكر و الأنثى التّي كرّستها التقاليد المتوارثة و التي يرى مجتمع اليوم أنّها لم تعد صالحة به و ملائمة لعصره. من ذلك أنّ مصمّمي اللعب لم يعودوا يلتزمون باللون الأزرق لونا خاصّا بالذكور و باللّون الوردي لونا خاصّا بالإناث فالعكس ممكن و لا فرق و لا فرض، و من ذلك أنّ اللعب المهداة، هذا العام، إلى الذكور لُعب تهدف إلى اكتساب المهارة و المحبّة لأدوار في البيت عادة ما تقوم بها الإناث دون الذكور مثل لعبة كيّ الثياب و لعبة المكنسة الكهربائيّة و لعبة إعداد الطعام و غير ذلك ممّا تهديه العائلة إلى الذكور إهداء واعيا بأبعاده التربويّة في غرس روح التعاون الأسري و مقاومة روح التواكل و التعالي الذكوري
و ليس يخفى عنّي أنّ العديد من الأولياء الذكور في مجتمعنا اليوم لا يستحسنون هذا المسعى إلى التساوي بين الجنسين في تحمّل مسؤوليات البيت، بل لا شكّ أنّ العديد من النّساء لا يتمنّين للذكور من أولادهنّ أن يضطلعوا في مستقبل حياتهم الزوجيّة بتنظيف البيت و كيّ الثياب و طهو الطعام و رفع الفضلات.. و يرين أنّ تلك المهامّ « الوسخة » موكولة إلى بني جنسهنّ، و لكنّي أريد، هنا، أن أنبّه إلى الاعتبار الخطير الذي يوليه غيرنا للعبة المهداة إلى الأطفال من حيث هي مدخل من المداخل إلى التربية و التعليم، و هذا في زمن نحن فيه لا نصنع لأبنائنا بأنفسنا اللعبة التي يلعبون بها بل نحن نشتريها جاهزة من تجّار الصين و غير الصين، يملون علينا، من خلال هذه اللعب المستوردة، سياسة تربويّة قد تكون خالية من كلّ هدف تربويّ بل قد تكون مسيئة إلينا بتربية صغارنا على التوحّد و زرع نزعة العنف و الفرقة…
و رحم الله زمانا كنّا فيه أطفالا نصنع بأيدينا لعبا اشتراكيّة
و كلّ عام و أنتم بخير

الدكتور الهادي جطلاوي