جِدارُ الصدّ للحقوق الكونية هو جدار الدين و لا جدار غيره

طلبت الأستاذة بشرى بلحاج حميدة من المثقفين و الإعلاميين و المفكرين الانطلاق في نقاش عمومي مجتمعي حول التقرير الذي أنجز بإذن من صاحب المبادرة رئيس الدولة حول قانون يرسي المساواة التامة بين جميع التونسيين و يترتب عنه إلغاء القوانين التي تفاضل بين المواطنين على أساس الجنس أو على أساس أي خاصية اخرى. الحوار المجتمعي هذا تقول السيدة بشرى أصبح ممكنا نظرا لما توفر من حرية تعبير أصبحت ممكنة بعد ثورة 14 جانفي و بعد دستور 2014. إلا أنه و على الرغم من وجاهة أن يُطلب من الجميع الحوار حول مسألة تخص تشريعات البلاد، إلا ان جملة من النقاط يجب التذكير بها قبل النظر في إمكان أو عدم إمكان الحوار أصلا

و لنبدأ بالنظر في المقاربة التي جعلت هذا التقرير ممكنا، المقاربة هي كما تعلمون مقاربة حقوقية، أي مقاربة تقوم على اعتبار أنه آن الأوان في مجتمعاتنا  » العربية الإسلامية » لإرساء ما نصت عليه المعاهدات الدولية في مجال حقوق الإنسان و التي أمضت عليها الدولة التونسية و نجد العديد من تفاصيلها في دستور البلاد التونسية ، إلا أن هذه المقاربة و على وجاهتها تعترضها عقبات غير قابلة للتجاوز في سياقات عربية -إسلامية حتى و إن اعتبر البعض أن تونس هي بلد الإستثناء و هذا غير صحيح في تقديري، و السبب سأشرحه كالآتي

المنظومة الحقوقية التي أفرزت الإعلان العالمي للحقوق الإنسان ، قامت أولا على فكرة الإنسان التي ولدت في القرن السابع عشر الأوروبي و هي فكرة بناها علماء و فلاسفة مثل ديكارت و غاليلي و نيوتن و كانط و ليبنتيز. أي أن ولادة مفهوم الإنسان هي التي مكّنت لاحقا من ظهور منظومة سياسية تدافع عن حقوقه السياسية مع فلاسفة العقد الإجتماعي لتنتهي في الأخير إلى منظومة تدافع على الإنسان كإنسان إستنادا على التسليم بكونية هذا المفهوم… إلا أنه و مهما قلنا عن الحضارة الإسلامية و عن عنفوانها و عبقريتها و نبوغها و دورها في إثراء العلوم الأروبية لم تشهد هذه الحضارة ما شهده الفكر الغربي من ظهور و تأسيس لفكرة الإنسان، أي أن الحضارة العربية لم تعرف ابدا مفهوم الكوجيطو الديكارتي الذي هو إكتشاف ميتافزيقي للإنسان كعقل و كمقدرة على التفكير و التشريع في مجال الطبيعة و في مجال القيم و الذي يستطيع و بهذا العقل فقط أن ينشئ عالما يخصه
هذه اللحظة من تاريخ الغرب اعتبرها جميع الفلاسفة لحظة مؤسسة و منها انحدرت جميع التحولات الكبرى في النظر للعالم و للمعرفة و للقيم … إلا أن ما حدث في الفكر العربي كان شيئا مغايرا ، ما حدث هو انتكاسة في مجال العلوم نتجت عن انتكاسة نفوذهم العسكري و تراجع سلطانهم السياسي و الاقتصادي إلخ ثم تعرضهم إلى الاستمعار من قبل قوى أروبية أصبحت هي المتحكمة في العالم في مختلف مستواياته، هذا الوضع أدى إلى تقهقر و تراجع أدى بدوره إلى مزيد التمسّك بالدين و كأنه القشة التي ستنقذ الغريق من الغرق ، فكلما تعاظم شعورهم بالهزيمة و التراجع ازداد تشبثهم بتلك القشة
في هذا السياق يأتي تطعيم الحضارة الإسلامية بقيم حقوقية نبتت في أقاليم مغايرة من قبيل محاولة انعاش ميت يُدرك الأطباء جيدا اقتراب ساعته … لذلك يتعاطى أهل الحقوق مباشرة مع أهل الدين ، و ما تنصيص أحد الناطقين بإسم اللجنة المحررة للتقرير على لقاء أعضاء اللجنة بأساتذة جامعة الزيتونة ( لماذا لم يلتقوا مثلا بأساتذة جامعات العلوم ، الطب و البيولوجيا و الهندسة ؟ او بأساتذة جامعة الهندسة و الفنون ؟ ) إلا دليل على أن جدار الصد للحقوق الكونية هو جدار الدين و لا جدار غيره ، لذلك و لأن أصحاب المقاربة الحقوقية لا يريدون أو لا يجرؤون على الإفصاح بأن الاعتراف بحقوق الإنسان هو تقليص من ولاية الآلهة على أرقاب البشر فإنهم سيصطدمون بجدار الدين و سوف يخرج من الزيتونة و من الليمونة و حتى من الخروب من يقر تهافت الحقوقيين و مروق تقريريهم عن قوانين الشريعة التي لا يضاهيها في القيمة قوانين سنها إنسان لا قيمة له بمقارنة بقيمة الرب العلي القدير

هدى الكافي 22/06/2018