الطرب منازل

من عاداتنا التونسيّة الحسنة أو السيّئة لست أدري، أن نُصاب في الصّيف بالتخمة الطربيّة و قلّما تكون هذه الحركة الطّربيّة مصحوبة بالنقد المفيد و كثيرا ما تكون مصحوبة بتملّق نقديّ دعائيّ و مصلحي. و التعريف الذي أراه للطرب هو التعريف الذي نسبه لسان العرب إلى ثعلب قال: الطرب عندي هو الحركة، و قريب من هذا التعريف: « الطّرب خفّةٌ تعتري عند شدّة الفرح أو الحزن أو الهمّ » و غلّب الاستعمالُ الطربَ في الانفعال للشيء الجميل و اعتقادي أنّه لا يستحقّ اسم المطرب من كلّ الأصوات التي نسمعها إلاّ ذلك الذي نسمعه دون أن نراه أو قبل ما نراه بحيث يكون الحكم له أو عليه للأذن وحدها و مركز الطرب أو الحركة في هذه الحالة يكون منحصرا في الرأس، في الدّماغ في الأعصاب و الأوتار و الحسّ و التخييل وهي المتعة الحقيقيّة التّي تنتابك من التقاط الصوت المطرب حتّى ولو لم يكن وجه صاحب الصوت و جسده على قدر جمال ذلك الصوت. فكانت إيديت بياف مطربة و كان أزنافور مطربا و كان راي شارلز مطربا و كان صباح فخري مطربا و كانت هالة المالكي بالأمس مطربة رائعة في سهرة أسامة فرحات على الوطنيّة الثانية و كذلك كانت فيروز و القائمة طويلة
و من المطربين من يسعفهم جمال وجوههم و أجسادهم لا سيّما ونحن في عصر الصورة فيكمّل جمالُ هيئتهم جمال أصواتهم و لولا مؤثّرات الصورة ما أطربت أصواتهم إلاّ قليلا وهؤلاء لا يقع طربهم في الدماغ بل يكون في القلب فيحبّهم النّاس و تعبدهم الجماهير بأصوات تؤدّي و لكنّها وحدها لا تطرب و تلك حال الوسيمين و الوسيمات الحريصين و الحريصات على أناقة كثيرا ما تكون زائفة
و من « المطربين » من ليس لهم في أصواتهم حدّ طربيّ أدنى أو كان لهم صوت ففقدوه و أصرّوا مع ذلك على أن يكونوا من المطربين المحرّكين للجماهير فلم يستطيعوا تحريك أذواق الناس في خيالهم و لم يستطيعوا تحريك محبّتهم في قلوبهم فحاولوا تحريك جنسهم فيما تحت بطونهم بحضور هو إلى الدعارة أقرب و كذلك كان شأن أمينة فاخت التّي يطلق عليها نقاد الطرب في بلادنا فخامة و عظمة لا أراها لها، فيما تعرضه علينا التلفزة، إلاّ في زيّها و حرثها وارتجالاتها المثيرة، و غير أمينة فاخت كثير مفهومهم للطرب إباحي و وسائلهم إليه متنوّعة و سوقهم رائجة
فانظر إلى أيّ منزلة من منازل الطرب تنتمي و تفقّد من بدنك أيّ مركز من مراكزه الذوقيّة أو القلبيّة أو الجنسيّة يتحرّك فيك عند الطرب

الدكتور الهادي جطلاوي