السياسة الفهريّة في إضحاك البشريّة

من الحيف أن لا نعترف لسامي الفهري بقدرة فائقة على خلق النجوم، نجوم التمثيل و نجوم الغناء و نجوم التنشيط و هو قدير على التقاط المغمورين و التقاط المبتدئين يضعهم تحت الأضواء و يدخلهم إلى بيوت الناس و يعوّد العيون على رؤياهم و يطلق عليهم من المدائح و الأذكار و يوظّف لتعظيمهم و الإعجاب بهم المؤثّرات السينمائيّة الخادعة مثل التصفيق المفخّم و الإغراق في الضحك و الإغراق في الإطراء و بتوالي الأيّام و مَطرقة المتفرّجين يتحوّل هؤلاء المغمورون بين عشيّة وضحاها إلى أبطال و نجوم يعرفهم الناس جميعا و يعجبون بهم و يمنحونهم صكّا على بياض فكلّ ما يصدر منهم مضحك و كلّ ما يصدر منهم فنّ و إبداع و « ضمار ». و هكذا برزت كلّ الأسماء المنشّطة لبرامج الحوار التونسي وهي أسماء لم تكن معروفة قبل سنتين أو ثلاث

فإذا كان الشوط الأوّل من هذه السياسة الفهريّة هو شوط بناء النجوميّة و الارتقاء بها فإنّ الشوط الثاني من السياسة الفهريّة هو نقيض الشوط الأوّل وهو شوط تكسير النجوميّة و النزول بها إلى الحضيض و ذلك بإيقاع هذه النجوم في وضعيّات مزرية في تلويث وجوههم و أجسادهم و ثيابهم و الاعتداء على كرامتهم بتعريضهم لمواقف مخجلة فيها سبّ و شتم و إهانة و إثارة و سخرية لا مناص لهذه النجوم الآفلة من الخضوع لها و تقبّلها عن مضض في كثير من الأحيان و عن رضى في أحيان أخرى إذ لا قوّة لهذه النجوم المصنوعة أن ترفض لصانعها طلبا مهما بدا مهينا بل هي ترى،ربّما، و قد تعوّدت بالأضواء و الشّهرة، أنّ استمرار البقاء تحت الأضواء ضروريّ لتمعّشها، حتّى ولو كان ذلك على حساب كرامتها و شرفها

و يتلخّص الإضحاك و التهريج في السياسة الفهريّة في تشيئة النجوميّة حيث يخرج النجم المصنوع الذي اكتسب شهرة في الغناء أو التمثيل و غيره، إلى وضاعة الإنسان الأقلّ من العادّي و تُمنح للمتفرّج فرصة الضحك من عيوبه الجسديّة و اللغويّة و الأخلاقيّة و على هذه المفارقة ينبني الضحك في كلّ برامج الحوار التونسي و لا سيّما منها ما كان من تنشيط « الأحد » و تنشيط نوفل الورتاني المحسوب « ملك التنشيط » حيث يتبارى النجوم في الوضاعة تباريا دائريّا لا خيار لهم من الخلاص منه من « بلاطوه » إلى آخر

أمّا النجوم المحترمون الذين صنعوا أنفسهم بأنفسهم و لم تصنعهم السياسة الفهريّة واختاروا طريق المثابرة إلى النجوميّة فيربؤون بأنفسهم من التردّد على مثل هذه البرامج التي تشترط عليهم إهانتهم و إضحاك الناس منهم مقابل تلميعهم تحت أضوائها. ولا تغرنّك نسب الفرجة في مثل هذه البرامج فالتونسيّ ناقد حصيف و حبل السخافة حبل قصير مهما امتدّ طوله

الدكتور الهادي جطلاوي