تونس بين الدعوات والأمنيات والواقع

عاشت تونس سبع سنوات عُجاف: بين الحلم والأمنيات بالحرية والديمقراطية والإزدهار والتقدم والوحدة، وبين واقع مخيب للآمال وتحالفات ضد الحلم، وإنكسارات تصل لحد الهزائم وأمل ينكسر تلو الآخر، وترد إقتصادي وسياسي ومناخ ملآن بالفرقة والتشرذم! كل هذا ولم نفقد نحن التونسيين الأمل الذي نعتصم به صبيحة كل إشراقة للنور لعلَّه يمحي ظلامنا بدعوات هنا وإعتصام هناك ومظاهرات عدة، بعضها جنى ثمارا قليلة وبعضه فاته الحصاد
فما العمل يا تونس؟
كل تلك الأفكارالمتداخلة مع مشاعر متضاربة، وأنا أرى الدعوات للإعتصامات وأيام غضب وأمنيات بالخلاص…فهل يبزغ النور مرة أخرى أم سيستمرالإنكسار الذي لا يأتي بمفرده أبداً وإنما يصاحبه الإحباط واليأس وينجر عنه الإنتحار بأنواع شتى وموت سريري للعديد
أخذتني كل هذة الأفكار و المشاعر إلى أن أتدارس معكم الوضع وكيف نخرج من هذا النفق المظلم عبرعدة أسئلة

1- هل الشارع منظم تنظيماً جيداً للإستجابة لهاته الدعوات؟
2- هل هناك قوة تنظيمية حقيقية تستطيع أن تحمل المشعل وتنير الطريق نحو التحرر؟
3- هل هناك برامج حقيقية تستطيع أن ترسم خارطة طريق تنتشل تونسنا مما هي غارقة فيه؟
4- هل هناك فعلاً بديل جاهز بكل ماسبق؟

إجابتي هي لا!! لكنها ليست إجابة مُحبطة أو يائسة، بل مفعمة بالأمل المنبئ بغد أفضل

الحقيقة أنه لاتوجد قوة منظمة تحمل المشعل ولديها البديل الجاهز الحقيقي بما يحمل في طياته من برامج إقتصادية وإجتماعية وسياسات واضحة تنتشل تونس مما هي فيه الآن ورغم أني متحمسة للدعوات إلا أن الحماس لايجب أن يغيبنا عن تحليل الواقع وتداعايته وإستشراف ما يخبئه لنا المستقبل
كل ماحدث في تونس وباقي دول المنطقة التي حملت مشعل الثورة والتغيير، للأسف فشل! لماذا؟
لأنه لم يكن هناك البديل الجاهز الذي يمكن أن يقود الثورات نحو إرساء مبادئ العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية الشاملة كانت دعوات تلتها إنتصارات مؤججة بالعواطف والحماسة متبوعة بالخيبات والإنكسارات لأن الشارع والقيادات على نحو متسق لم تكن جاهزة وليس لديها البدائل للأسف
لذا سُلمت أحلام الحرية على طبق من ذهب للتيارات الأصولية التي كانت جاهزة تنظيمياً ومالياً لجرِّ القاطرة وعرباتها للخلف لمئات السنوات
وهذا يقودنا لدروس مستفادة يجب على الجميع الوعى بها وإستيعابها إستيعابا جيدأ، وهي أنه يجب أن نجهز أنفسنا تنظيمياً، وأن نتحد جميعاً ضد قوى الفساد والأخذ بعين الإعتبار لتأثيرالنظام السابق وفشل النظام الحالي وتداعيات تحالفه مع التيارات الظلامية. يجب أن نتحرك محملين بخبرة الماضي وآمال المستقبل متسلحين ببدائل إقتصادية وسياسية وإجتماعية وثقافية وعلمية وأشخاص مخلصين مؤمنين بهذا الوطن وحلم الحرية وخارطة طريق واضحة لا لبس فيها. كيف؟
عن طريق المعارك الصغيرة!! المعارك الصغيرة هي تدريب وتجهيز، لأن الإنتصارات الصغيرة وتراكماتها المتتالية تعطي خبرة وقوة وذكاء لخوض معركة كبيرة حتما سننتصر فيها، لذلك دعونا نخوض معركة صغيرة مهمة الآن!! ولنأخذ أمثلة على وجه التحديد وليس الحصر كبداية 

1- الوقوف ضد القوي الظلامية التي تريد العودة بتونس للخلف والتي تطالب بإلغاء وسحب تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، علينا أن ننظم أنفسنا لمساندة هذا التقرير وأعضاء اللجنة ضد كل الظلاميين
2- الوقوف ضد نقص الأدوية والمستلزمات الطبية في المستشفيات والوحدات الصحية
3- الوقوف ضد الغموض الذي يلف ملف إقالة وزير الداخلية وعدد من القيادات في الداخلية
4- الوقوف ضد تخريب الإقتصاد والإستدانة من صندوق النقد الدولي والإنصياع لأوامره التي خربت ومازالت تخرب إقتصاديات دول كثيرة حول العالم بما فيها تونس
5- الوقوف ضد طباعة الأوراق المالية الذي سيجلب علينا التضخم بشتى عواقبه
6- الوقوف ضد إضعاف الداخلية ومن بعدها سيكون الجيش لصالح قوى بعينها
7- الوقوف ضد الفساد والتهريب
8- الوقوف ضد السماح للدواعش الدخول غير الشرعي للبلاد وفتح هذا الملف لإيجاد سبل الحل لهذه القنابل المؤقتة العائدة بتاريخ إجرامي ومستقبل محتمل لأكثر إجراما
ملفات كهاته وغيرها، الإنتصار فيها سيجلب خبرة المعارك والإنتصارات الصغيرة كي تتراكم و نضمن بذلك أن ننتصر في المعركة الكبري وهي التنظيم والجاهزية والبديل من أجل تونس مزدهرة حرة ديمقراطية في مصاف الدول الحداثية العَلمانية المتقدمة

 خديجة معلّى