اليوم العالمي للغة العربيّة : عيد بأيّة حال عدت يا عيد؟

لست أدري كم عدد التونسيين المنتبهين إلى أنّ العالم يحتفل غدا بيوم خاصّ بالعربيّة بل لست أدري كم عدد العرب و المسلمين الواعين بهذا الحدث، و إن كانوا على وعي فلست أدري ما الذي هيّؤوه للاحتفال بعيد العربيّة. و أيّا كان الأمر فإنّ الاعتراف للجمعيّة التونسيّة للتربية و الثقافة واجب من أجل تنظيمها غدا لندوة علميّة حول « حيويّة العربيّة » و هذا منّي إشهار مجانيّ لهذا السّعي المشكور

الهادي جطلاوي

الهادي جطلاوي

و الحقيقة أنّ علماء العربيّة ما انفكّوا منذ الزمن البعيد الذي جمعوا فيه المعجم العربيّ و ضبطوا فيه قواعد اللغة و مواضع اللحن و أسبابها و مخاطرها، ما انفكّوا يجاهدون من أجل سلامة اللغة العربيّة و تجديد خلاياها بما يناسب تطوّر المدنيّة و الحفاظ على « كرامتها » و ديمومتها من خلال المجامع اللغويّة و غيرها، و مع ذلك ما انفكّ شعراء العربيّة يندبون حظّها و يشيرون بأصابع الاتّهام إلى أهلها. و كم كان بودّي لو قامت الشعوب العربيّة، في عيد العربيّة، بحملة نظافة لغويّة في الشوارع و الإدارات و محلاّت الجرائد و الإذاعات و التلفزات الواقعة اليوم في « الفرونكوأراب » حيث يعجز التركيب العربيّ وحده عن الوفاء بالمقاصد و حيث يعجز المتكلّم، إلاّ نادرا، عن التعبير السليم فلا هو معرّب و لا هو مغرّب و إنّما هو خطاب هجين مرقّع بين بين. و ليتنا في هذا العيد نكفّ عن ذلك الاستعمال للفرنسيّة و الانقليزيّة…الفاضح لعقدة النقص فينا، المُوهِم بأنّ العربيّة لغة متخلّفة و أنّ الفرنسيّة و غيرها هي لغات المدنيّة و الحضارة و الثقافة التّي نزيّن بها كلامنا و نلمّع بها مناظرنا…و إذا بنا نخلط بين الجهاز و مستعمل الجهاز، نخلط بين اللغة العربيّة و أبنائها فننزع التّخلّف عن أنفسنا و نلصقه في لغتنا ثمّ إذا بنا نتبرّأ منها و نرتمي في أحضان غيرها فنحيا حياة لغويّة و وجدانيّة متمزّقة متشرّدة بين هوية عربيّة و هويّة أجنبيّة
إنّنا، معشر التونسيين، متّهمون في لغتنا أكثر من غيرنا من العرب بل إنّ إخواننا العرب كثيرا ما يلصقون بنا هذه التهمة قبل غيرهم و كثيرا ما يشكّكون في عربيّتنا …فليت هذا العيد يكون مناسبة لتفنيد مثل هذه المبالغات و الأوهام و مناسبة لقرارات حاسمة تُرجع الاعتبار إلى لغتنا العربيّة و إنّما يكون ذلك باستعمال العربيّة استعمالا قويما دائما لا مناسباتيّا و العربيّة في خدمة أهلها ما دام أهلها في خدمتها

 الدكتور الهادي جطلاوي