المثقّف و الجامعي

رحم الله محمد الصغيّر ولد أحمد. كنت أستمع منذ حين إلى إعادة بثّ تلفزيّ على القناة الأولى إحياء لذكراه و استرعى اهتمامي جوابه عن سؤال يتعلّق بدور الأستاذ الجامعي في الحياة الثقافيّة حيث اعتبر الجامعيين مجرّد مدرّسين موظّفين لا دخل لهم في الثقافة بما أنّ الثقافة تقوم، على خلاف مهنتهم، على الإبداع.و للمرحوم بعض الحقّ فيما يقول ذلك أنّ عددا من الجامعيين يكتفون بالتلقين دون البحث و الإبداع و النشر و أنّ عددا من الجامعيين بحكم اختصاصهم لا ينفتحون على وسائل الإعلام العموميّة و لا يحذقون المنهجيّة الخطابيّة المبسّطة و المرغّبة في الاطّلاع على بحوثهم و الاستفادة منها و أنّهم كلّهم أو جلّهم غائبون عن السّاحة الثقافيّة إلاّ من تقرّب و تزلّف للرأس المالي الثقافي و أنّهم يتخلّون اليوم عن مهمّة نقديّة للإبداع الفنّي بكلّ مظاهره الأدبيّة و غير الأدبيّة في حين أنّهم أقدر الناس على النهوض بهذه المهمّة يدرّسونها و يخرّجون أقلامها و يكتبون في شأنها و لكنّهم يتحاشون خوض غمارها على السّاحة الفنّية المعاصرة ترفّعا أو تأفّفا أو تحاشيا … و هم يتحمّلون مسؤوليّة كبيرة في استتباب الرداءة الإبداعيّة و النقديّة بسكوتهم و انسحابهم سكوتا يتأوّله الناس تزكيّة و ترخيصا في التمادي في الاستخفاف بالمتلقّي و مسؤوليتهم في الإدلاء بدلوهم في الحياة الفكريّة و السياسيّة العامّة في هذه السنوات العصيبة لا تقلّ خطورة عن تخلّيهم عن واجبهم في التمييز ما بين الغثّ و السمين فيما تغرقنا به السّاحة الثقافيّة يوميّا بغربال مقعور باسم الحرّية

و في الختام فإنّي أفضّل أن ألقي المسؤوليّة على نفسي و على زملائي من الجامعيين من أن ألقيها على المتآمرين على الجامعة يأسرونها داخل الحرم الجامعي و يلحقونها بالوظيفة العموميّة

الدكتور الهادي جطلاوي