الرئيس الباجي يقول : « يجب أن نوضح الأمور في خصوص الجهازالسري » للنهضة

يقول الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إنه ليس مقتنعا بأن من مصلحة تونس أن يعيد ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل، ويوضح في حوار مع «القدس العربي» قائلا : كل توجه يخدم مصلحة تونس أسير فيه وإلى الآن لست مقتنعا بأن من مصلحة تونس أن أعيد ترشحي. صحيح أن الدستور أعطاني الحق، ولكن ليس بالضرورة أن أستخدمه وهناك آجال لوضع الترشحات وانا سأترقب الآجال وأرى 
وجاء تعقيبه هذا، ردا على إعلان حزب «نداء تونس» الذي أسسه الرئيس الباجي عام 2012، عزمه ترشيحه، مؤكدا : لا أتنكر للنداء الذي كونته، وأُدرك أنه يمر بصعوبات وهو مستهدف، ولكني لن أُدافع عنه بل يُدافع عنه أبناؤه
ومع مرور ثماني سنوات على الثورة يرى الرئيس أن التجربة الديمقراطية في تونس «تبقى هشة ما دمنا لم نحقق تقدما في المجال الاقتصادي». كما كرر دعوته لإجراء تعديل على الدستور خاصة فيما يخص ما يسميه «السياحة البرلمانية» معتبرا أنه : لا يمكن لشعب ان يصوت لنائب بسبب اتجاه معين فيجده يذهب في اتجاه معاكس
وفي القضايا الإقليمية قال إنه يجب تجنيب ليبيا مزالق التدخلات الكبرى»، كما اعتبر أن : لا خوف على الجزائر فشعبها على قدر كبير من الوعي وهو مدرك تماما لمخاطر الخلافات
وبدأ السبسي حديثه مع « القدس العربي » الذي نشر الليلة 3 أفريل:  بالتأكيد على التضامن العربي الذي اختاره عنوانا للقمة العربية التي استضافتها تونس يوم الأحد الماضي

٭ ما تقييمكم للقمة العربية وقراراتها؟

٭ حقيقة، إن انعقاد القمة والحضور الاستثنائي الذي شهدته لرؤساء الدول ـ وحتى الرؤساء الذين لم يحضروا وأرسلوا ممثلين عنهم على أعلى مستوى فيما حضر من الإمارات حاكم الفجيرة الذي كان مثل الإمارات في القمة العربية الأوروبية في شرم الشيخ، في الحقيقة الأصل أن يأتي حاكم دبي محمد بن راشد لكن يظهر أنه مريض، هذا لا يعني أن الحضور في مستوى أقل ـ كل ذلك يعدّ مكسباً لنا… أما بالنسبة للمشاركة القطرية ومسألة مغادرة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، وما أثاره من جدل في الصحف، فيهمني أن أوضح أننا وجهنا دعوة لأمير قطر فلبّاها إكراماً لنا، وقد أعلمَنا منذ البداية بأنه لن يشارك في كل الاجتماعات ولن يلقي خطاباً، وأن حضوره سيقتصر فقط على أخذ الصورة الجماعية وبعدها يغادر… وهذا ما حصل، فأكرمَنا بحضوره وجلوسه في قاعة انعقاد القمة، وأرسل لنا خطاب شكر بعد مغادرته. ليس لنا مشكلة مع أي طرف، وحاولتُ أن أوفر كل أسباب الراحة النفسية والمادية لضيوفنا الكرام، وهذا ما قمنا به. حتى إيران شكرت التنظيم في تونس، ولأول مرة، لم نسمع بوقوع ملاسنة من زيد أو عمرو، رغم أن تلك الحوادث كانت تقع في قمم سابقة

شخصياً، قمت بواجبي، وكنت على وعي تام بالأوضاع وما يجب القيام به لتأمين المطلوب، ولتوفير مناخ ملائم للحضور انطلاقاً من خبرتي الكبيرة في السياسة، فأكثر من 60 عاماً قضيتها في العمل السياسي وخدمة الشأن العام، وهذا ما ساعدني لأن أوفر الأجواء بأحسن الظروف… جرت أعمال القمة كما ينبغي، وكل شيء كان مدروساً، حتى طريقة جلوس الرؤساء والقادة، إذ حرصنا على أن يكونوا على مقربة من بعضهم. كان ذلك موضوعاً في الميزان ومدروساً، والحمد لله إلى الآن لم نجد إلا الشكر والامتنان من كل المشاركين. الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي قام أيضاً بمجهود كبير للحضور، رغم الأوضاع الأمنية الخاصة أتى وألقى كلمته. وكذلك العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز، فقد دامت زيارته 4 أيام وغادر فرحاً، وهذا مكسب كبير لخلق مناخ ملائم بين القيادات العربية للتعايش وتبادل الرأي. لم يشعر أحد بأن هناك طقساً سيئاً بين هذا أو ذاك، وسارت الأمور على ما يرام

٭ اخترت للقمة عنوان «العزم والتضامن» لم نلمس حقيقة هذا التضامن العربي، وهل هناك خطط خلال عام ترؤسكم القمة لدفع هذا التضامن بين العرب؟

٭ بعض القادة العرب، خاصة في الخليج، لم يلتقوا ولم يتبادلوا الحديث، وأنا أقنعتهم بأن الخلاف الواقع بينهم إنما فيه مضرة للجميع. وأعلمناهم بأن سياستنا تقوم على الحرص على إبقاء المسافة نفسها من الجميع، وحتى الآن ليس لدينا التزام آخر. وضع الدول العربية غير مريح، والعالم ينظر إلينا نظرة جماعية وليس كدول كل لها وضعها الخاص، لذلك ليس من مصلحتنا الإبقاء على هذا الوضع المضطرب، وعندما عُرضت عليّ القمة وقبلت قلت لهم إني سأكون على المسافة نفسها من الجميع، وإذا كان ذلك لا يؤخذ بعين الاعتبار فإني لن أقبل القمة. لكن قبلنا احتضان الدورة الثلاثين للقمة العربية عوضاً عن البحرين. وأعلمتهم بكل صراحة بأني سأستدعي الجميع، وأني سأعمل على توفير كل أسباب الكرامة لضيوفي دون تفريق، وسارت الأمور بخير. ولكن لا بد من التضامن العربي، وإذا لم يكن هناك تضامن فمن سيدافع عن القضية الفلسطينية
وهنا أود أن أذكر بأننا وضعنا القضية الفلسطينية في المقدمة وحرصنا على أن تكون في سلم الأولويات على جدول أعمال القمة. أما فيما يخص سوريا، صحيح أن لنا مآخذ على سوريا، ولكنها جزء لا يتجزأ من العالم العربي، ولديها مكانة في الجامعة العربية، ويجب أن تعود إلى مكانها الطبيعي. ولا ننسى أن سوريا أصبحت قضية عالمية تؤثر فيها كل الدول، روسيا من جهة، والأمريكيون من جهة أخرى، والفرنسيون وغيرهم، وهذا واقع. العالم العربي منقسم ولا يمكن أن نزيد تقسيمه ونعمق الشرخ، لقد أخذنا بعين الاعتبار أن قرار إعادة عضوية سوريا إلى الجامعة العربية من عدمه هو قرار الجامعة العربية، ونحن دولة مستضيفة للقمة فقط. لم نقطع علاقاتنا مع سوريا، ولدينا قائم بالأعمال في هذا البلد، ولكن موقف تونس شيء وموقف العرب شيء آخر

٭ إذن، بصفتك رئيساً للقمة العربية، هل هناك أي خطط خاصة بالملف السوري؟

٭ لا بد أن نضع خطة للتحرك بالنسبة لكل مخرجات القمة. في السابق، وخلال قمة المغرب، تم تشكيل لجنة سباعية انبثقت عن القمة لكي تتابع مقرراتها، بما في ذلك الخطة العربية تجاه فلسطين، ونحن نفكر بإعادة ذلك، إذ لا بد من القيام بتحرك في مستوى الدول العربية أو بعث لجنة منبثقة عن هذه الدول لتفسير الوضع العربي للأطراف الخارجية

٭ وهل هذا يعني أن هناك خططا لإعادة تنشيط لجنة القدس؟

٭ إن أهم ما جاء في القمة التي عقدت في الظهران، هو قرار الملك خادم الحرمين الشريفين تسميتها بـ«قمة القدس». وذلك يحمل رمزية كبيرة، فمن الواضح بأنه بالرغم من كل الخلافات، إلا أن القدس وفلسطين للعرب تبقى هي الأساس، وهذا أمر جيد. بالنسبة للجنة القدس برئاسة ملك المغرب محمد السادس، فيجب أن تحرّك

٭ للشأن الليبي أولوية خاصة لديكم، وأطلقتم المبادرة في إطار اللجنة الثلاثية التي تضم الجزائر وتونس ومصر، فهل توضح لنا أكثر رؤيتكم بخصوصها؟

٭ ما يمكن أن نفعله هو تجنيب ليبيا مزالق التدخلات الكبرى، لأن لليبيا جيراناً كثيرين، مثلاً في إفريقيا: تشاد والنيجر والسودان وتونس ومصر والجزائر. وهناك أيضاً تدخلات من جهات أخرى من بعض الدول العربية والأوروبية، وتركيا أيضاً. ونحن عقدنا جلسة مع الأمين العام للأمم المتحدة أكدنا خلالها على الدور الذي تقوم به بلادنا، لأننا نعتبر أن ليبيا وتونس شعب واحد في دولتين، وما يحصل في إحدى الدولتين يؤثر في الأخرى. العلاقات بين تونس وليبيا خاصة في الميدان التجاري والتعاون على مختلف الصعد، مهمة جداً، ونلاحظ حركة المرور والتنقل اليومية بين البلدين بأعداد كبيرة. لدينا حدود مشتركة تقدر بـ450 كلم ولم تكن محروسة خلال السنوات الأخيرة، وحتى الآن هناك ظاهرة التهريب وخروج السلع دون رقابة جمركية. وهذا كله موجود، وسيأتي اليوم الذي نعيد فيه المياه إلى مجاريها والعلاقات التونسية الليبية إلى أسس ثابتة، ونحن سائرون في هذا التوجه. لقد تضررنا كثيراً من الإرهاب، وعديد الذين نفذوا العمليات الإرهابية قدموا من ليبيا لكنهم ليسوا ليبيين، بل تونسيون استغلوا حالة عدم الاستقرار في هذا البلد. لقد تضررنا كثيراً مما جرى في ليبيا، ونعتقد أن الضرر الأكبر كان قطع التعامل الاقتصادي والتجاري والثقافي

٭ ما تقييمكم للحراك الدائر في الجزائر؟

٭ هو حراك معروف، لكن بالنسبة لي، لا خوف على الجزائر، الجزائريون شعب كافح طويلاً وأخرج بجهود أبنائه وتضحياته الاستعمار بعد 130 سنة، وضحى بالكثير من الدماء السخية. والشعب هذا على قدر كبير من الوعي، وهو مدرك تماماً لمخاطر الخلافات، وأعتقد أنه لا بد أن يجتاز الجزائريون هذه المرحلة، لأنه سبق في مناسبات قديمة أن شهدوا أوضاعاً شبيهة، نذكر وفاة الرئيس هواري بو مدين بشكل فجائي، وكان هناك مخاوف من أن يحدث ذلك إشكالاً في البلاد، ولكن الأمور جرت على أحسن ما يرام، ووجد الجزائريون حلاً بالإتيان برئيس مجلس الأمة لتسلم الرئاسة بصفة مؤقتة لمدة 45 يوماً، ثم أتوا بالرئيس الشاذلي بن جديد. وإلى الآن، رغم الاحتجاجات الدائرة في الجزائر إلا أنه لم يقع عنف، ولهذا أعتقد أن الجزائر ستجتاز هذه المرحلة بسلام. يهمنا كثيراً الوضع في هذا البلد الشقيق الذي يجمعنا به تعاون هام جداً في مختلف المجالات، وخاصة في ميدان محاربة الإرهاب، وسنواصل به

٭ بعد تأسيسكم حركة نداء تونس بسنتين، تمكن الحزب من الفوز بالمراتب الأولى في الانتخابات، لكنه اليوم يواجه تحديات وانشقاقات، فما تقييمكم لهذا الوضع؟

٭ أؤكد أني كونت النداء على قواعد جعلته بعد عامين يتصدر المراتب الأولى في الانتخابات، وحقق ما لم تستطع حركة النهضة أن تحققه رغم كل سعيها، ولكنها لم تنجح لأن تتحصل على المرتبة الأولى. وأوضح أن النداء وقع استهدافه، وعندما غادرت النداء كان ذلك احتراماً للدستور الذي يمنع الجمع بين الحزب ورئاسة الجمهورية، وإحقاقاً للحق رأيت أن الحزب مستهدف وتعرض للنهش من كل الجوانب ومن كل الأطراف. النهضة كان لديها 68 مقعداً في المجلس النيابي وحافظت عليها وهي تساوم بها… لكن كل الذين انشقوا وخرجوا وأسسوا أحزاباً خاصة بهم عن النداء، مثل حزب رئيس الحكومة، وحتى حزب المشروع، كان يضم 32 نائباً، والآن لديه فقط 16 نائباً. إذن، لا بد لهذه السياحة البرلمانية أن تزول، إذ لا يمكن لشعب أن يصوت لنائب بسبب اتجاه معين فيجده يذهب في اتجاه معاكس. والدستور الذي نعتبره بمثابة إنجاز كبير متقدم عن الأوضاع الماضية، لكن من الأجدى أن يقع إعادة النظر فيه حتى نتجنب الكثير من النواحي السلبية، فليس من المعقول أن تكون صلاحيات الرئيس المنتخب من طرف الشعب أقل من صلاحيات رئيس الحكومة المعين من الرئيس، وهذا كله يجب النظر فيه خلال المرحلة القادمة

٭ لاحظنا معارضة لهذا الطرح، أي تعديل الدستور، فهل لديكم خطط في هذا الشأن؟

٭ إن شاء الله

٭ «النداء» سيرشحك للرئاسة، فهل ستقبلون؟

٭ صحيح، لكن حظي ليس بيد أحد، الدستور يسمح لي بالترشح لعهدة ثانية، ولكن ليس لأن الدستور يسمح بعهدة ثانية علي أن أستخدم ذلك
كل توجه يخدم مصلحة تونس أسير فيه وإلى الآن لست مقتنعا بأن من مصلحة تونس أن أُعيد ترشحي… صحيح أن الدستور أعطاني الحق ولكن ليس بالضرورة ان أستخدمه وهناك آجال لوضع الترشحات وأنا سأترقب الآجال وأرى

٭ هل تنوي حضور مؤتمر النداء؟

٭ سأكون يوم 6 أبريل ـ لاحياء ذكرى وفاة الزعيم الحبيب بورقيبة ـ في المنستير، وأنا ككل عام أقرأ الفاتحة على روحه لأني تعاملت مع الرئيس الحبيب بورقيبة وطوال 30 سنة جمعتنا علاقة قريبة وعميقة وقديمة. وبالمناسبة، عقدنا أيضاً اجتماعاً عاماً في المنسيتر عام 2012 حضره أكثر من 20 ألف شخص، وهو ما دفعني لأن أفكر في تكوين النداء. هذا العام قررت أن أتوجه للمنستير ونعقد اجتماعاً سيكون للحديث عن الحبيب بورقيبة، وخاصة حول تحقيق المساواة في الإرث، وهذا مشروع بورقيبة الذي لم يتمكن من تحقيقه في حياته، فلدي رغبة قوية بأن أحقق مشروعه من بعده. ولا مانع لدي بأن أحضر مؤتمر النداء، ولكن ليس لدي التزام مع أي أحد، ولكني لا أتنكر للنداء الذي كونته، وأدرك أنه يمر بصعوبات، وهو مستهدف، ولكني لا أتنكر له، وفي المقابل لن أدافع عنه، بل سيدافع عنه أبناؤه «وربي يوفقهم» حتى يواصل النداء مسيرته.

٭ ما معوقات تشكيل المحكمة الدستورية؟

٭ من سوء الحظ أن الإصلاحات التي قمنا بها والنهج الديمقراطي الذي اتبعناه يقوم على انتخاب الرئيس مباشرة من طرف الشعب وانتخاب مجلس نواب الشعب، ولكن لدينا نقص فيما يتعلق بالآليات الدستورية. فحسب الفصل 118 من الدستور، تتكون المحكمة الدستورية من 12 عضواً من ذوي الكفاءة. ويعين كل من رئيس الجمهورية ومجلس نواب الشعب والمجلس الأعلى للقضاء، أربعة أعضاء. لكن في البرلمان هناك إشكالاً يتعلق بعدم قدرة المرشح على الحصول على 145 صوتاً، امرأة فقط حصلت على هذا الرقم، لكن هناك ثلاثة مقاعد لا تزال شاغرة، وأتأمل بأن يتغلب المجلس على النقاط السلبية التي جعلته يواصل من جلسة انتخابية إلى أخرى دون نتيجة، وإنهم إن نشاء الله سيصلون إلى نتيجة أو يغيرون القانون.

٭ هل يمكن إجراء انتخابات دون تشكيل المحكمة الدستورية؟

٭ الأفضل لا.. لكن الانتخابات ليست مرتبطة كثيراً بتشكيل المحكمة الدستورية، لأن هناك لجنة مؤقتة تنظر في الأمر

٭ بعد ثماني سنوات من الثورة، لمسنا حرية تعبير وتداولاً على السلطة، لكن الأمور الأساسية التي يطلبها الشعب غير متوفرة… من اقتصاد وخدمات وصحة وغيرها؟

٭ لقد عشنا في تونس أكثر من نصف قرن بحزب واحد ورئيس واحد وإذاعة واحدة وصحف واحدة، وخلال الخمسين سنة حققنا مكاسب كبيرة تحت زعامة الحبيب بورقيبة فيما يخص التعليم وتحرير المرأة، وهي مكاسب عظيمة. عندما قدمنا بعد الثورة، وحقيقة قمنا بجهود كبيرة لكي لا تنزلق الثورة إلى حمام الدم، صحيح أنني لم أشارك بها، ولكني حافظت عليها وحميتها من الانزلاق. والآن سرنا في نهج ديمقراطي، لكن لا ننسى أن لتونس وضعها الجيوسياسي الخاص، فهي دولة إفريقية أولاّ وتقع في أقصى نقطة شمالية في إفريقيا، وهي أقرب نقطة إلى أوروبا، وهذا ما حتم حقيقة بأن يكون 80٪من تعامل التونسيين مع أوروبا ولدينا تعاملات كبيرة مع الاتحاد الأوروبي. نحن دولة متوسطية، ولهذا وجدنا أن تونس متأهلة أكثر من غيرها لانتهاج النظام الديمقراطي، فهي تضم شباباً مثقفاً، المرأة محررة، و69٪من حاملي الشهادات العليا من النساء، و60٪ من الأطباء نساء، ونحن مواصلون. لكن الديمقراطية لا تفرض بالقانون بل تمارس، وتشترط لنجاحها توفر دولة القانون إضافة إلى وجود صحافة حرة وحرية تعبير دون شطط، لدينا حوالي 17 قناة تلفزيونية و44 إذاعة و72 صحيفة و70 صحيفة إلكترونية تعمل بحرية وتكتب في مواضيع متشابهة وتبحث عما يثير الرأي العام… ولا بد أن نقول إن الديمقراطية الآن في أزمة عالمية، ونرى ما وقع في فرنسا مع السترات الصفراء وفي إيطاليا وصعود اليمين المتطرف، فالديمقراطية في أزمة ولا نتصور أن ذلك ليس له تأثير سلبي على أوضاعنا، ونحن مدركون لكل ذلك ومواصلون الاتجاه ولا رجعة عن هذا التمشي الديمقراطي. ولكن، أحببنا أم كرهنا، ما دمنا لم نحقق تقدماً في المجال الاقتصادي، فإن التجربة تبقى هشة كما أن المناخ الذي نحن فيه يعتبر خاصاً، لأن تجربتنا مختلفة عن برنامج ورؤى ومشاريع الدول المحيطة. صحيح تقدمنا في الميدان السياسي، ولكن يجب أن يترافق ذلك مع تقدم اقتصادي.
نعتبر أن التمشي الديمقراطي يبقى مهدداً طالما لم نهتدِ لدفع اقتصادي صحيح، وإذا كانت المكاسب الأخرى التي وقعت بعد الاستقلال، ومنها مسألة الصحة، مهددة، فلا بد من أن نسير نحو الإصلاح. وقعت مؤخراً بعض الوقائع السلبية، ويبدو أن الحكومة تداركت هذا الأمر واتخذت قرارات وإجراءات جديرة بالاهتمام في المجلس الوزاري

٭ لاحظنا نوعاً من الفوضى وصعوداً للشعبوية في كثير من الأحزاب، فهل يمكن لهذه الفوضى أن تعطي قوة للعملية السياسية في البلد؟

٭ يجب أن نتجنب الفوضى، لكننا ما زلنا في مرحلة انتقالية لم نحقق الديمقراطية بشكل كامل، ونحن نسعى لذلك، وما زلنا نسير في مسار انتقالي نحو الديمقراطية ويلزمنا بعض الوقت. ولا بد أن نتغلب على السلبيات، ولا ننسى أنه بعد الثورة، الديمقراطية تعد هي الضامن لحرية التعبير ولو فيها شطط في بعض الأحيان، لأننا عشنا خمسين سنة في حزب واحد، أما الآن فلدينا 216 حزباً. كذلك الحريات العامة مضمونة، لكن يجب أن نسير أكثر فيما يتعلق بالحريات الفردية، لذلك شكلنا لجنة خاصة ضمن الرئاسة وقدمت لنا مقترحات، وقبل أن ينتهي العام نكون قد حققنا خطوات لا يستهان بها في ضمان الحريات الفردية.

٭ كيف تقيمون علاقتكم مع رئيس الحكومة؟ وهل تجاوزتم مرحلة التوتر؟

٭ أنا أؤمن بمفهوم الدولة الذي يختلف عن المفاهيم الخاصة، بالطبع.. كشخص، لدي تاريخ وماض ورؤيتي لكثير من الأمور، ولكن كرئيس دولة لا بد من أن نضمن حسن سير المؤسسات دون تعطيل. يقتضي نظامنا الدستوري بأن يكون رئيس الحكومة معيناً من طرفي، لكن الدستور نفسه لا يعطي لرئيس الجمهورية الحق في تغيير رئيس الحكومة الذي يقع التصويت على حكومته من قبل مجلس نواب الشعب، وهو متحصل على أغلبية لا يستهان بها (حوالي 132 صوتاً، يعني 60 ٪ من النواب صوتوا له)، وأنا أقدر هذه الأوضاع حق قدرها، ومن منطلق مسؤولياتي كرئيس دولة أحترم الدولة. ليست هناك مشاكل شخصية معه، بل من جانب آخرهو يحظى بمساندة وتأييد من طرف حركة النهضة التي لديها 68 مقعداً في البرلمان. هذا واقع نأخذه في عين الاعتبار، ولكن كشخص ليس لدي إشكالية معه، فأنا الذي اخترته وكلفته بتشكيل حكومة، وهو احترم التمشي هذا، ونحن سائرون معاً «إلى أن يغير الله أمراً كان مقضياً»

٭ فيما يتعلق بحركة النهضة، فإن لها وجوداً كبيراً في تونس، لكن علاقتكم معها يغلب عليها التوتر، فهل تتجهون للعمل بشكل منفصل أم تفضلون استمرار التوافق؟

٭ ليست لدينا علاقات متوترة، بل علاقات واضحة.. فأنا مع الوضوح، وبصفتي رئيس دولة أنظر لهذا الحزب كحركة لها أنصارها وتواجدها وأتعامل معها باعتبار أن انتخاب أعضائها وقع من الشعب، والشعب هو صاحب السيادة، ولهذا أتعامل معها على هذا الأساس، ونحن نتواصل دائماً هاتفياً مع رئيسها، وليست لديّ إشكالية
لست أنا الذي رشحت الحركة، ولا يمكن أن يعولوا عليّ، لأني في اتجاه وهم في اتجاه، ولكن بحكم وجودهم في تونس وما يمتلكونه من رصيد شعبي أتعامل وآخذ ذلك بعين الاعتبار، ولا أظن أنهم سيجدون شخصية أخرى مثلي تتعامل معهم حسب الضوابط والقواعد

٭ هناك اتهامات وجهت للنهضة بوجود جهاز سري، وهم ينفون ذلك، فما الجديد؟

٭ الموضوع مطروح لدى الرأي العام، وهنالك محامون رفعوا قضايا في هذا الخصوص. أنا شخصياً لست مع هذا ولا مع ذاك، من موقعي أقول بأن هذا موضوع شغل الرأي العام التونسي، ومطروح، وليس هناك مانع بأن تشارك النهضة بالبحث لإقامة الدليل على عدم صحة هذه الاتهامات. لكن شخصياً.. لا أدين أحداً دون سابق حجة ولا أبرئ أحداً دون حجة
الأفضل ولكي نصفي الأجواء أن نقوم بأبحاث، فحتى القضاء بات مشكوكاً فيه من قبل هؤلاء. لا يمكن أن تترك الأمور هكذا مع تصاعد أصوات تتحدث عن محاولات لطمس الحقائق، لذلك يجب أن نوضح الأمور
وفي الحقيقة، اغتيال زعيمين سياسيين هو وصمة عار على تونس، وليس من المعقول أن تظل الأمور هكذا، وأن تطمس الحقائق دون تحقيقات. فالذين قتلوا الشهيدين شكري بلعيد ومحمد براهمي معروفون، ولكن يجب أن يعرف الرأي العام من الذي خطط ومول، ومن أعطى التعليمات للقيام بهذه الجريمة

تونس مقبلة على استحقاقات انتخابية هامة، رئاسية ونيابية، وهي محطة مهمة في مسارها الانتقالي، فهل ستكون البلاد في مستوى الحدث؟*

سنوفر الأسباب لنجاح الانتخابات، سواء كانت تشريعية أم رئاسية وأن تقع الانتخابات في آجالها الدستورية هو مكسب كبير لتونس، ونحن نسير في هذا الاتجاه. وعلى المرشحين أن يتنافسوا بطريقة حضارية، فمن أهم شروط الديمقراطية القبول بالرأي المخالف. ولكن للأسف، قبول رأي الآخر ليس أمراً شائعاً في حضارتنا العربية. نأمل بأن نسير في هذا التوجه، وهذا امتحان، ويوم الامتحان يكرم المرء أو يهان

أجرى الحوار رئيسة تحرير «القدس العربي» سناء العالول والزميلة روعة القاسم