الباجي في ضيافة بورقيبة

ما أن حلّ الرّكب الرافع لمحمد الباجي قائد السبسي إلى السماوات العلى حتّى صدر في ملفّه مرسوم إلاهي يسمح له بالدّخول إلى قاعة الانتظار في انتظار الحساب و قد نصّ المرسوم على أنّ الذي شفع للباجي باجتياز أبواب قاعة الانتظار هو شهادة من سيدي بوسعيد الباجي و حفظ لآيٍ من القرآن و استشهاد بها في المحافل العامّة. و بعد وصول الباجي نادى منادٍ في رحاب قاعة الانتظار أنّ الحبيب ولد عليّ بورقيبة يستضيف على مائدة فطور الصباح الوافد الجديد من شمال القارّة الإفريقيّةو في رمشة عين كان الباجي داخلا على مائدة الحبيب بورقيبة و كانت خيرات الدّنيا و الآخرة مفروشة و كانت الجواري الرشيقات يملأن الكؤوس بعيون ناظرات و أجسام نضرات تقول للناظر هيت لك فتنشرح لهنّ النفوس و تتشهاهنّ القلوب. و قد لاحظ بورقيبة دهشة السبسي فرحّب به و قال له: هذا جزاء كلّ من اتّبعني و والاني. و نظر الباجي إلى الجالسين حوله فرأى أعضاء الدّيوان السياسي و المسؤولين السّامين في الحزب على الأرائك متكئين، هذا الهادي نويرة و هذا الباهي الأدغم و هذا المنجي سليم و هذا الصادق المقدّم … و كاد الباجي يسأل عن وسيلة لولا أنّه تذكّر قول الفقهاء في مصير الزوجات في الجنّة و لكنّه سأل عن محمد الصياح فقيل له إنّه في مهمّة، و هذه أريكته شاغرة على يمين الحبيب
و بينما كان الباجي يُسائل نفسه عن الصكوك التّي دخل بها إلى قاعة الانتظار كثير ممّن كان يظنّهم من أصحاب السعير أفاده الحبيب بأنّ أخباره و أخبار أهل الدّنيا تصلهم إلى قاعة الانتظار ساعة بساعة و دقيقة بدقيقة بأفعالهم و نواياهم، و لم يتماسك بورقيبة عن تقييم أداء الباجي فشكره عن ردّ الاعتبار إلى صورة بورقيبة المتهّرئة بعد مغادرته الرئاسة و على إرجاع تماثيله إلى مواقعها في السّاحات العامّة و لكنّه سأله معاتبا عن شأنه مع الإخوانجيّة فاحمرّ وجه الباجي و ظهر عليه الارتباك و أراد أن يراوغ و لكنّ ناقوسا رنّ في القاعة مذكّرا بأن لا نفاق بين يدي المقام العليّ، فقال الباجي : أَ وَ لم تَلِنْ لهم يا فخامة الرئيس، فرنّ الجرس مذكّرا بمنع التّنادي بالألقاب في الحضرة الإلاهيّة. فغضب الحبيب غضبا ظاهرا و صاح صيحة ممنوعة : لقد استخدمتهم و لكنّي لم أضع يدي في أيديهم و لم أشرّكهم في الحكم و أتستّر على فسادهم. و لكنّك طمعت فيهم و نمتَ في سريري بتزكيتهم فنعمتَ بالرئاسة و عجزت عن فتح ملفّات الثورة. لقد أردتَ أن تتشبّه بي في حياتك و في مماتك و أن تجعل لبورقيبة أندادا و أنا لا أغفر لك الفخامة المفخّمة في جنازتك التّي عذّبت الناس فيها في حرّ الهاجرة و لو كنت ذكيّا لكنت متواضعا إلى ربّك، و هَمَّ الباجي بأن يذكّره بفخامة قبره على أجداث بني جلدته بالمنستير لولا أن جاء نداء ربّك بأن لا رفث و لا فسوق في قاعة الانتظار، فكبت الغاضبون غيضهم و قامت في الفضاء ألحان عذبة تبشّر الكاظمين و الصّابرين بحساب يسير إن شاء الله
(إليك يا أبا العلاء تحيّة زكيّة)

الدكتور الهادي جطلاوي