اتّبع عقلك، فالعقل نبيّ (9) : موقف الإسلام السّياسيّ الدّستوريّ من قضيّة ضرب المرأة

كراهية المرأة كانت – وفي أرض الإسلام ما زالت – قاسما مشتركا بين غالبيّة الرّجال. قد تكون ترجمة للحقد الدّفين على المرأة، الكامن في الشّخصيّة النّفسيّة للذّكور. شريعة حامورابي قضت بقتل الزّانية غرقا في دجلة والفرات. وقد أحيت هذه السّنّة الحامورابيّة الجماعة الإسلاميّة في كردستان العراق في التّسعينات عندما قتلت فتاة اتّهمتها بالزّنا بإغراقها في أحد الأودية. أمّا الهندوس فيرمون الزّانية للكلاب المجوّعة لتنهشها
العفيف الأخضر، إصلاح الإسلام: 72

– 242 –

عبّر عمر بن الخطّاب عن عجبه من رجل يجلد امرأته جلد العبد (وهو ما يفيد ضمنا أنّ جلد هذا الأخير حقّ مباح لسيّده، الذّي له عليه حقّ الحياة والموت) نهارا، ثمّ يضاجعها ليلا. ولكنّ عجبه توقّف عند هذا الحدّ، المدين للإفراط في ممارسة حقّ « الجلد » هذا، فقد قال في مناسبة أخرى ما معناه أنّه لا يسأل الرّجل فيما ضرب زوجته. وهو ما يفيد أوّلا أنّ المرأة والعبد سواء في نظر البعل- السّيّد، ويفيد ثانيا أنّ « ضرب » المرأة حقّ مباح للرّجل بفعل الأفضليّة والقوامة، المنصوص عليهما شرعا.
وهذا هو معنى قول عائشة بنت أبي بكر: « النّساء عوان »، أي أنّهن في مقام الأسيرات (وللآسر على الأسير حقّ الحياة والموت، وهو ما تفصح عنه اليوم الجرائم البشعة الّتي تقترف تحت ذريعة الحفاظ على الشّرف) لدى بعولهنّ. هل يمكن أن يستقيم هذا التّصوّر المختلّ للمؤسّسة الزّوجيّة في تنمية المؤسّسة الأسريّة كما يزعم المدافعون عن نظريّة « الفطرة السّليمة » الّتي تشرع لهذا الخلل الهيكليّ وتبرّره بمختلف « البراهين الشّرعيّة » الواهية؟

– 243 –

إنّ مجرّد التّفكير في إمكانيّة أن يضرب الرّجل زوجته هو امتهان للمرأة، واعتداء على حرمة جسدها، ونيل من كرامتها. أمّا إذا تحوّل « الضّرب » إلى حقّ مكتسب فهو، بكلّ المعايير، فضيحة حقوقيّة وأخلاقيّة وإنسانيّة لا يمكن أن تبرّر اليوم تحت أيّة ذريعة، بما في ذلك التّبريرات الدّينيّة

– 244 –

إذاعة « الزّيتونة » (أو « الخرّوبة »، أو « الكرمة »، أو « المشماشة »، أو « العوينة »، أو غيرها من ثمار الله الطّيّبة، فلا ضير إذن من استبدال هذه الأسماء بعضها ببعض، فكلّها في البركة سواء) وفّقت، وللّه الحمد والمنّة، في حلّ كلّ المعضلات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والحقوقيّة والثّقافيّة والحضاريّة الّتي تتخبّط فيها « الثّورة التّونسيّة » المجيدة، ولم تظلّ منها إلاّ معضلة المرأة التّونسيّة وحقوقها الشّرعيّة. وفي هذا الإطار تتنزّل قضيّة علاقة هذه الأخيرة الإشكاليّة (بفعل المزايدات والتّحريفات العلمانيّة الّتي عبثت بعقل المرأة – المحدود شرعا – فزيّنت لها، فيما زيّنت لها، أن تطالب بمساواتها في الحقوق مع الرّجل) بـ « عصا » بعلها على وجه الخصوص، ما خفي منها تحت الثّياب وما أشهر باليمين
والقضيّة الّتي أخذت إذاعة « الزّيتونة » الإسلاميّة على عاتقها أن تجد لها الحلّ الشّرعيّ الجذريّ المناسب، حتّى لا يظلّ للّبس مكان في تونس المتصالحة مع « إسلامها » و »هويّتها »، اختزلته في السّؤال التالّي، توجّهت به إلى عامّة التّونسيّين في حلقتها الأولى
– هل يمثّل ضرب الزّوج المسلم (والصّواب أن يقال « الإسلاميّ السّياسيّ الدّستوريّ » لأنّه لا يتحدّث عن الضّرب والجلد والرّجم إلاّ أتباع هذه الفرقة النّاجية المباركة) لزوجته نيلا من منظومة حقوق الإنسان الكونيّة؟

الحلقة الأولى

وقد بادر بالإجابة عن هذا السّؤال أحد « العلماء » المتبحّرين في معالجة القضايا المشكلة، وإشاعة النّور الرّبّانيّ في الأذهان المرتابة، فاستهلّ مداخلته بملاحظة منهجيّة أوّليّة حلّت بموجبها لفظة « التّأديب » الموضوعيّة محلّ لفظة « «الضّرب » المغرضة، عملا بالقاعدة الشّرعيّة المأثورة: « إنّما الأعمال بالنّيّات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى ». وممّا لا شكّ فيع أنّ نيّة الزّوج – ولا ريب أنّ الزّوج الإسلاميّ السّياسيّ الدّستوريّ هو من أفضل أنواع الأزواج في المعمورة وأكثرهم حرصا على كرامة المرأة وصونا لها – تتمثّل في الإصلاح، التزاما منه بواجب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر الّذي لا يتخلّف عنه إلاّ منافق، ولا ينكره إلاّ ملحد عنيد. ومن المعلوم لكلّ ذي فطرة سليمة : الّتي خصّ بها الله – جلّ وعلا – الإسلاميّين دون سواهم من المسلمين – أنّ الإصلاح غير الاعتداء
ثمّ تفضّل أحد الفقهاء الملمّين بدقائق الفلسفة الإسلاميّة السّياسيّة الدّستوريّة وقيمها الأسريّة الأصيلة، فأوضح – لا فضّ فوه – أنّ مسألة ضرب المرأة من عدمها ليست مسألة حقوقيّة، كما يزعم المغرضون من العلمانيّين وأعداء « الإسلام » وخونة الأمّة الّتي فضّلها الله على العالمين. والسّبب في ذلك أنّ جرائم الإخلال بحقوق الإنسان، الّتي تقع تحت طائلة القانون الوضعيّ المنصوص عليه في دستور البلاد الثّوريّ الجديد، تخصّ المعاملات اليوميّة المتعلّقة بشؤون المعاش من أكل وشرب وبيع وشراء. وقد بيّن العزيز القدير في محكم بيانه أنّ النّكاح ليس منها لأنّه الحافظ لنقاء عنصر الأمّة، والراعي لعفافها وعفّة عرضها، فضلا عن علاقته العضويّة بمصير الأمّة وإشعاعها الدّعويّ الجهاديّ بين أمم المعمورة، امتثالا لأمر المصطفى عليه السّلام أن « تناكحوا تناسلوا فإنّي مباه بكم الأمم يوم القيامة ». وخلاصة قول الفقيه الملهم أنّ النّكاح لا علاقة له البتّة بالأفراد، من وجهة النّظر الشّرعيّة، ذكورا كانوا أو إناثا، وإنّما هو حقّ خالص للأمّة عهد لأهل الحلّ والعقد فيها بالمحافظة عليه وعلى أحكامه وتعاليمه الشّرعيّة المقرّرة، والضّرب بأيد من حديد على كلّ من تحدّثه نفسه بالنّيل منها
ثمّ تكلّم شيخ لغويّ نحويّ، من المبرّزين في دقائق لغة الضّاد وأسرارها الشّرعيّة، فسرد أشتاتا من أقوال الأئمّة القدامى انتهى منها إلى أنّ الضّرب الشّرعيّ، إذا حلّ في عشّ الزّوجيّة السّعيد واستقرّ فيه، وأصبح من عاداته الثّابتة، لا يقصد منه الإيذاء والمثلة، وإنّما هو من التّمثيل بالفعل عمّا لا يدرك من المجرّدات الشّرعيّات – والتّأديب الشّرعيّ من أهمّها وأخطرها – بدليل قولك: « ضربت لفلان مثلا »، أي عرّضت له بالمعنى البعيد في كلمات تقرّبه له وتجعله لديه في مقام المحسوس. والزّوج الإسلاميّ السّياسيّ (المتمسّك بحقّه في تأديب رفيقة عمره)، عندما ينهال ضربا شرعيّا على واحدة من أزواجه (أو عليهنّ كلّهنّ بعد إعادة العمل بنظام تعدّد الزّوجات الشّرعيّ في أقرب الآجال إن شاء الله لتستردّ شريعة الله عافيتها)، إنّما مراده أن يضرب لها – أو لهنّ – من الأمثال الشّرعيّة ما ينصلح بها شيء من عوجها – أو عوجهنّ – الطّبيعيّ.
ومن المعلوم اليوم، على ما قرّره العلماء الصّليبيّون في مخابرهم الخبيثة أن ليس كالألم مدعاة إلى الإدراك والتّدبّر. وهل آلم للمرأة الرّقيقة، الّتي خلقت من ضلع أعوج (كثيرا ما يتغاضى العلمانيّون المغرضون عن حقيقة كونه من أضلاع آدم عليه السّلام)، من الضّرب؟ وهل أحثّ على التّربية الشّرعيّة من الضّرب، والمبرّح منه على وجه الخصوص؟ ألم يقرّ الغربيّون الكفرة، في بعض أمثالهم الّتي لا ضير على الإسلاميّين الدّستوريّين الأبرار في الأخذ بما يتلاءم منها مع تعاليم دينهم الحنيف، أنّ من يحبّ كثيرا لا بدّ له من أن يشتدّ في عقاب محبوبه؟ ألا يقتضي المنطق إذن أن يتقدّم الأصل (ممثّلا في الشّريعة) على الفرع (ممثّلا في العلم الوضعيّ الخبيث المعدن والمخبر والنّتائج)، وأن يتولّى الأصل في عشّ الزّوجيّة أمر تعهّد عوج فرعه بما يحول دون انحرافه بالكامل لأنّ في فساد الفرع فساد للأصل؟
ولم يفت الشّيخ اللّغويّ أن يذكّر المستمعين أنّ المرأة، بالنّظر إلى بنيتها وقدراتها الذّهنيّة، لا يمكن أن تستغني عن الرّجل حتّى فيما يتعلّق بإدارة شؤون بيتها. وحيث أنّ المشرّع الحكيم قدّر لها حظّا يتيما، وفضّل عليها الرّجل بحظّين، فكان من الضّروريّ إذن أن يكون الرّجل حاضرا دوما إلى جانبها، إمّا بشخصه أو بخياله، ليقيها غوائل الضّياع والانحراف والضّلال. فأن يضربها الرّجل قوامة وتأديبا، بما له عليها من حقّ الانقياد والطّاعة، يجعلها ترهب مجرّد ذكره، فضلا عن شخصه. وهذا هو مكمن الحكمة الشّرعيّة في إجازة الضّرب
وأضاف أحد الشّيوخ الحفّاظ النّبهاء، من حملة شهادة الدّكتوراه في خبايا الأحكام الشّرعيّة ولمعها وطرائفها وأسرارها اللّطيفة، أنّنا لو سلّمنا أنّ الزّوج هو راعي العائلة – ولا مناص من ذلك لأنّه خصّ بالقوامة دون المرأة -، ولو سلّمنا كذلك أنّ المرأة والأطفال هم بمثابة الأنعام الّتي يتعيّن على الزّوج أن يرعاها بالعطف والعلف والحزم والشّدّة والسّكّين على حدّ السّواء، لا يفضّل أحدا من أنعامه على الآخر، لتبيّن لنا أنّ من حقّ الرّاعي أن يحافظ على أنعامه بكلّ الوسائل المتاحة، لا فرق لديه بين القبلة واللّطمة، واللّمسة واللّكمة والفلقة، فلكلّ مقام مقال، ولكلّ حال لبوس
ولمّا كان الضّرب الشّرعيّ جائزا في حقّ الأطفال، ولمّا كانت المرأة لا تختلف عن الأطفال عقلا وإدراكا ومكانة، فإنّه من المنطقيّ أن تحتاج ما يحتاجه الأطفال بالضّرورة من طيّبات الإصلاح والرّدع الشّرعيّين. ولو أخذنا في الاعتبار أنّ الزّوجة مسؤولة عن تربية أطفالها في غياب بعلها، فإنّ تأديبها يصبح ضرورة ملحّة. وما دام من الثّابت أنّ المرأة، النّاقصة عقلا ودينا، لا يمكن أن تتعلّم أصول التّربية الشّرعيّة القويمة، ولا أن تفقه معانيها ومراميها السّامية، إلاّ إذا عنّفت وجلدت جلد العبد من قبل من اختصّ بالتّحصيل، بل وبالتّبحّر في العلم، وبالتّربية دونها، فإنّ الضّرب الشّرعيّ النّافع يصبح عندئذ جزءا لا يتجزّأ من المنظومة التّربويّة الشّرعيّة العامّة، وركنا أساسيّا من أركان مؤسّسة الزّوجيّة الإسلاميّة الدّستوريّة، لا تكتمل كرامة المرأة بدونه
ولعلّ ما يجعل الضّرب الشّرعيّ، زيادة على ما وقع بيانه، إجراء أخلاقيّا لا فكاك منه، أنّ الأمر يتعلّق هنا بالتّربية الشّرعيّة، وهذه الأخيرة من خصوصيّات الولاية، وقد جاء في الآثار الصّحيحة ما يقطع بأنّ الولاية شأن ذكوريّ خالص لأنّه، على ما تواتر عن المصطفى عليه السّلام، « لا يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة »، ولو كانت في ذكاء أنشتاين وعبقريّته، وحصافة « معاوية وعمرو » ودهائهما. فالضّرب الشّرعيّ هنا هو بمثابة تلقين المضروبة أبجديّات الشدّة والحزم الّتي لا بدّ منها للرّاعي للنّهوض بشؤون قطيعه. ولو أخذنا في الاعتبار أن المرأة جبلت على الرّقّة والضّعف، وأنّها لو ساست أطفالها بهذه الخصال لأفسدتهم بدلا من إصلاحهم، لتجلّت لنا الحكمة الفذّة من تشريع الضّرب في حقّها، فمن لم يُضرب لا يمكن أن يدرك أبدا الفوائد البيداغوجيّة الشّرعيّة للضّرب
ومن المعلوم أنّ المشرّع الحكيم لم يفته ما قد يفضي إليه تجويز استعمال العصا من شطط، فتبسّط في الشّرح والتّفصيل حتّى لا يخرج الضّرب عن دائرة التّأديب الشّرعيّ ليصبح تنكيلا وجورا. ومن المعلوم أيضا أنّ الغرب الصّليبيّ المنافق الكافر يعرف الكثير من فضائل الضّرب الشّرعيّ، المفصّلة في المصنّفات الفقهيّة، وإلاّ لما كان الأزواج هناك استباحوا نساءهم رغم تجريم القانون الغربيّ للضّرب. ومن المعلوم كذلك أنّ علماء النّفس هناك أقاموا الدّليل على أنّ ضرب المرأة يساهم إلى حدّ بعيد في توازنها البدنيّ والنّفسيّ حتّى إنّ أغلبهنّ لا تتذوّقن طعم السّعادة إلاّ إذا ضربن وأشبعن ضربا. فهل ظلّ ثمّة من شكّ، إزاء هذه الحقائق الشّرعيّة الدّامغة، المدعومة بالقرائن العلميّة الصّليبيّة الخبيثة المؤكّدة، أنّ تشريع ضرب المرأة هو دليل استثائيّ على الإعجاز القانونيّ الإسلاميّ الدّستوريّ (والدّستوريّ سياسيّ بالضّرورة)؟
وتناول الكلمة، بعد هذه المداخلة القيّمة، عالم جليل من خيرة علماء إذاعة « الزّيتونة »، من الّذين جابوا البلدان والأقطار في طلب العلم، وجاوروا في الحرم الشّريف لسنوات طوال، ثمّ شرّفوا بالتّوزير في حكومة الحزمة التّراوكيّة المقدّسة الأولى، إبّان ثورة الياسمين الغرّاء، أوكل إليه فيها أمر السّهر على شؤون الملّة الإسلاميّة، فذكر، بعد حمد الله وشكره والصّلاة على الرّسول الأعظم، أنّ العلماء كالأنبياء منزّهون عن الأهواء سواء بسواء. وحيث أنّ حفّاظ الأمّة والمتقنين من فقهائها أجمعوا على جواز ضرب الزّوج لزوجته بما يتناسب مع طبيعة الجرم المرتكب، فإنّ في ذلك دليلا كافيا على صحّة هذا الإجراء الشّرعيّ السّديد، استنادا إلى ما أثر عن المصطفى عليه السّلام من أنّ أمّته لا تجتمع أبدا على خطأ
والعلماء هم وجوه الأمّة الإسلاميّة، وعليهم المعوّل في تبديد غيوم الشّرك وظلمات الجاهليّة الّتي حجبت شمس الحقيقة الإلهيّة في ديار الربّانيّين، المستظلّين اليوم براية الفرقة النّاجية من النّار الّتي أكرمها الله بتمكينه ونصره، بفعل التّشوّهات الّتي ألحقتها بها العلمانيّة الحداثيّة المستبدّة الباغية، ونجمها الشّيطانيّ بورقيبة – أجحمه الله – لستّة عقود متواليات. وقد شدّد حجّة الإسلام أبو حامد الغزالي، رضي اللّه عنه، على ضرورة أن يلجم العلماء العوامّ كافّة، والرّعاع منهم على وجه الخصوص، حتّى لا يحشروا أنوفهم السّوقيّة فيما لا يعنيهم من دقائق أمور السّماء ودقائق أسرارها الشّرعيّة – وهي من شؤون الخاصّة، بل خاصّة الخاصّة من أولي الأمر وأهل الحلّ العقد، وهم نخبة الأمّة وزبدتها الفكريّة -، فيلحق شريعة الله من هذا الخلط وهن يصيبها في مقتل فيتعطّل بتعطّلها النّاموس لا قدّر اللّه. والعلمانيّون الأنجاس من زنادقة هذا الزّمان هم جزء من هذه العامّة وإن تظاهروا بالعلم وادّعوا أنّهم أمسكوا منه باللّبّ، حتّى لقد ذهب الغرور بالبعض منهم أن تكهّنوا بزوال الشّريعة الرّبّانيّة لانعدام الحاجة إليها في هذا الزّمان، وأوكلوا أمر القيام بهده الجريمة الشّنعاء إلى « لجنة الحقوق الفرديّة والمساواة » السّيّئة الذّكر
وتنحنح العالم الشّيخ الجليل، ثمّ أخرج من جيب جبّته الزّيتونيّة القشيبة ورقة مطويّة فبسطها أمامه وأشرع فيها عينيه متأمّلا، وذكر، بعد أن تعوّذ من الشّيطان الرّجيم مرارا وتكرارا، أنّ أبعد فئات العوامّ عن الصّلاح هم المتعالمون من الجامعيّين والمتفلفسين من المربّين والأدباء والشّعراء من أهل الضّلال والغيّ، والعلماء المنبتّين المنحازين لأعداء الأمّة من الصّليبيّين والصّهاينة، ومن سار على نهجهم من الحقوقيّين والنّسويّين والجهلة والحمقى والمجانين الّذين ندّد بهم، في سالف الأزمان، أبو الفرج بن الجوزيّ، رضي اللّه عنه وأرضاه، في مصنّفه الشّهير الموسوم بـ : تلبيس إبليس
وتنحنح الشّيخ الجليل بوقار العلماء ورصانتهم، ثمّ أضاف
– وهل أدلّ على العمى ممّا سيسطّره لا محالة يراع أحد هؤلاء الحمقى على صفحته الفايسبوكيّة، مندّدا باستبداد الفقهاء وفساد الشّريعة المقدّسة الّتي كّرسوا حياتهم لخدمتها في أرض تونس المسلمة تعجيلا بعودتها الميمونة إلى ميدان السّياسة الّذي أقصيت منه عنوة في عهد الجاهليّين، صنّاع « الاستقلال » المزعوم الّذي أقامت أختنا الكريمة الفاضلة، رئيسة لجنة الكرامة والعدالة (جزاها الله خيرا بما قدّمت للإسلام ولإخوانها من أشياع الفرقة النّاجية)، من خدمات جليلة، طابعه المنقوص، بل المغشوش قلبا وقالبا؟
ثمّ قرأ فضيلة الشّيخ نبذة من الهراء، الّذي ستتفتّق عنه، مباشرة بعد إذاعة هذه الحصّة القيّمة إن شاء اللّه (أطلعه عليه القادر القدير في المنام، فهو كشّاف لكلّ دفائن الأمور، فضّاح لكلّ مطاوي الصّدور، حفيّ ببصيرة أعوانه الصّادقين الصّالحين الأوفياء)، قريحة من أعمت الفلسفة بصيرته فأفقدته الصّواب: « أفضى النّقاش [في مسألة ضرب المرأة] إلى الإقرار بجواز الضّرب شريطة ألاّ يكون مبرّحا. إنّها دعوة إلى شيء من الرّفق بحيوان. إذاعة « الزّيتونة » مثلها في ذلك مثل قناة « الزّيتونة » هي النّاطقة بلسان من لا يرون في المرأة سوى حيوان جنسيّ، حيوان إنجاب، حيوان معدّ لحمل كلّ أثقال الأشغال المنزليّة ». لا أكثر ولا أقلّ.
وعلّق سماحة الشّيخ بحصافته الشّرعيّة الرّهيفة على هذه الكفريّة الفاقعة بقوله
– إنّ بلادا يكفر فيها الفيلسوف إذا فكّر يجب أن يحجّر التّفكير فيها على السّفهاء بدون استثناء

***الحلقة الثّانية

بثّت إذاعة « الزّيتونة » على أمواج أثيرها الشّرعيّة، بعد يومين من إذاعة الحلقة الأولى من ندوتها القيّمة حول قضيّة ضرب المرأة (وهي، إضافة إلى مسألة تعدّد الزّوجات، من القضايا الحارقة الّتي تشغل اليوم بال « علماء » الإسلام السّياسيّ الدّستوريّ عن بكرة آبائهم، دون أمّهاتهم طبعا عملا بمبدأ الحياء الّذي يحرّم الحديث عن « الْحُرُم » في الفضاء العامّ)، رائعتها الإذاعيّة الشّرعيّة الضّربيّة – نسبة إلى الضّرب عامّة، والضّرب الشّرعيّ خاصّة – أشارت فيها إلى الأساليب الّتي يتعيّن أن يتوخّاها الرّجال القوّامون في معالجة الأجساد الأنثويّة المتنطّعة النّاشزة، وتكرّمت بها على فحول الإسلاميّين في البلاد التّونسيّة ليكونوا على بيّنة من حقوقهم الشّرعيّة في ممارسة العنف السّماويّ الزّجريّ التّأديبيّ في محالّ الزّوجيّة السّعيدة، واللّجوء إلى أياديهم وأرجلهم، وعصيّهم المأذونة والمعصومة في الحالات القصوى، لردع النّساء اللّواتي جبلهنّ العزيز الرّحمان على النّقص والخور والغفلة والخطأ والخطل والكيد والنّزق (وغيرها من الموبقات الّتي يضيق عن ذكرها هذا المقام)، فلا ترجى لهنّ استقامة بوعظ الوعّاظ وإرشاد المرشدين على المنابر الإسلاميّة الدّستوريّة الموهبنة (نسبة إلى الوهّابيّة) والمدعدشة (نسبة إلى داعش) على حدّ السّواء، ولا يرجى لهنّ برء من عورهنّ ما لم تتعاورهنّ عصيّ بعولهنّ، الضّاربين المصلحين المؤدّبين، كالسّيوف البواتر
وقد فات الشّيوخ المجتهدين، الّذين خاضوا في هذه المسألة الشّرعيّة المصيريّة، أن يتبسّطوا في تفصيل أساليب التّحطيم والتّهشيم والدّهس والسّحق والهدم والطّحن والمحق الشّرعيّة، وكلّها تدخل، بحمد الإله ومنّه، في عداد فنون الضّرب الشّرعيّ المباحة شرعا. كما فات هؤلاء العلماء أن ينصّوا على حقّ الزّوج شرعا وعرفا في تجريد ذكره، قبل أن يجرّد عصا الرّاعي الشّرعيّة (عماد قوامته وركيزتها) الّتي في يمينه، ويضرب به حرمه المصون في موضع الحرث بنفس القوّة الّتي يضرب الفحل أنثاه بمقلمه الحادّ الطّويل، وأنّه لا مانع شرعا وعرفا أن يشدّ البعل المؤمن الأصيل وثاق حليلته بالهجار (انظر: جامع البيَان: 5/63، وقد جاء فيه في تفسير الآية 34 من سورة النّساء ما يلي: « للهَجْرِ مَعَانٍ ثَلاَثَةٍ، أَوَّلُهَا الهَجْرُ باللِّسَانِ، والثَّانِي الهَجْرُ فِي المَبيت، وَالثَّالثُ: هَجَرَ البَعِيرَ إذَا رَبَطَهُ بِالهِجَارِ، وَهْوَ حَبْلٌ يُرْبَطُ فِي حقْويْهَا ورُسْغِهَا » الّذي تعقل به قوائم الدّوابّ، إذا تباعدت الخبيثة عن فراشه ولجّت في الامتناع. وهذه أولى مراتب الضّرب القياميّ – إذا أريد منه التّأديب – الّتي لا يجوز للبعل أن يتعدّاها إلى غيرها ما لم يجرّبها مع النّاشزات من أزواجه سبع مرّات على الأقلّ
ولمّا كانت الحاجة متأكّدة إلى دليل مفصّل يهدي الأزواح القوّامين إلى أشدّ طرق الضّرب الزّجريّ التّأديبيّ وأنجعها، وأبلغها أثرا على عفاف جمهور المضروبات واستقامتهنّ، ولمّا كان السّهو من جوهر الطّبيعة البشريّة، وشاء سوء حظّ النّسوة في هذا البلد أن يسهو أخصّائيّو النّجر والعفس والرّفس والمعس (وهي من أسماء الوطء المعتمدة في مصنّفات أئمّة اللّغة) وتطبيقاتها الشّرعيّة العمليّة، التّابعون لإذاعة « الزّيتونة »، والمتولّون أعباء التّفقّه والإفتاء الشّرعيّين فيها، فأجملوا في مواضع التّفصيل – بل أجحفوا، سامحهم اللّه، في الإجمال ظنّا منهم أنّ الإناث والذّكور في الإدراك سواء -، فقد انبرت إحدى الفنّانات التّونسيّات، من متشدّدات العلمانيّة الحداثيّة البورقيبيّة الإلحاديّة المشار إليهنّ بالبنان، واحتجّت على هذا التّقصير المخلّ بالحقوق النّسائيّة، وطالبت أن يبادر خبراء « الزّيتونة » المقدّسة، الّذين ألّفوا هذه الرّائعة العصويّة (نسبة إلى العصا، عملا بتعاليم رأس الفرقة النّاجية الّذي يقول في محكم بيانه العقديّ الشّرعيّ المبين: « وما فرّطت فرقتنا في شيء ») الفريدة، بإصدار دليل عصويّ شرعيّ يحتوي على قائمة مفصّلة في أشكال التّأديب وأساليبه الشّرعيّة الّتي لا غبار عليها حتّى تكون مرجعا للفريقين يجنّب الضّاربين الشّرعيّين مغبّة الوقوع في الإفراط المؤدّي إلى تضرّر المضروبات أو تلفهنّ، أو مغبّة وقوع الضّاربين في حبائل التّفريط – لا قدّر اللّه – الّذي يقف بالتّأديب دون حدوده المقرّرة شرعا، فلا تصيب منه المضروبات ما يرجى لهنّ من نعم الرّدع والتّوبة والبرء، الشّرعيّة هي الأخرى
وزعمت هذه المرأة السّافرة المنحلّة، السّليطة اللّسان، أنّ الحاجة ملحّة اليوم، حرصا على العفّة العموميّة وما يتعلّق بها من واجب المحافظة على الحياء والأخلاق الحميدة، أن يدرك الضّاربون الشّرعيّون أنّ لهم مطلق الحرّيّة في لطم نسائهم وصفعهنّ وركلهنّ بما يستجيب لمتطلّبات التأديب المقرّر شرعا. وعليهم أن يدركوا كذلك أنّ الشّريعة السّمحاء، الّتي « لا تجيز البغي »، على حدّ تعبير فقهاء إذاعة « الزّيتونة » الأجلاّء، وإن شرّعت للضّرب الشّرعيّ لحكمة لا يدركها إلاّ الرّاسخون في العلم، شدّدت على الأزواج الضّاربين ألاّ يتجاوزوا في الكرّة الواحدة عددا معلوما من اللّطمات والصّفعات والرّكلات الشّرعيّة – لا يتعدّى العشرين من كلّ صنف منها، ولا ينحطّ عن سبعة -، لا يجوز لهم أن يتعدّوه تحت أيّة ذريعة
وأضافت النّاطقة باسم بنات حوّاء والذّائدة عن حقوقهنّ أنّ العدل يقتضي أن يلقّن أنصار الشّريعة العاملين بإذاعة « الزّيتونة » معشر الضّاربين كيفيّة التّمييز بين الصّفعة الشّرعيّة الّتي تورث المصفوعة احمرارا شديدا في قفاها، والصّفعة الباغية الّتي يتفجّر من حدّتها قفاها دما، وقد تكسر عنقها فتموت لتوّها. ويتعيّن عليهم أيضا أن يلقّنوا جحافل البعول المتلهّفين شوقا للضّرب، التّمييز بين اللّطمة الشّرعيّة الّتي يزرورق من وقعها خدّ الملطومة، واللّطمة الباغية الّتي ينهار من هولها فكّها، وتتلف أذنها، وتسقط إحدى عيناها أو الاثنان معا، وتتصدّع أسنانها، ويرتجّ مخّها. كما يتعيّن على العلماء الأفاضل، حرّاس الشّريعة السّمحاء الّتي نزلت رحمة للعالمين، أن يلقّنوا طوابير الأزواج الطّامحين لاسترداد حقوقهم في طحن عظام النّاشزات والمشاكسات من أزواجهنّ، كيفيّة التّمييز أخيرا بين الرّكلة الشّرعيّة الّتي تخلّف في ألية المركولة بقعة داكنة الزّرقة، والرّكلة الباغية الّتي تسبّب لها كسورا بالغة تعطّل فيها فخذها بالكامل فتنعدم منها الفائدة ويضطرّ ضاربها إلى استبدالها بأخرى، فيتجشّم جرّاء ذلك تكاليف باهظة ما كان أغناه عنها لو التزم بآداب الضّرب الشّرعيّة السّويّة، ومن آدابها وشيمها الاقتصاد والرّحمة في معالجة المضروبة دون الإخلال بواجب الحزم الشّرعيّ
وزعمت ربيبة الرّكح المسرحيّ (لعنه الله ولعن من يرقاه من الذّكور، والنّساء خاصّة)، الخارجة عن الطّوق، أنّه يتعيّن على الغيّورين على حقوق المرأة في إذاعة « الزّيتونة » الإسلاميّة الدّستوريّة أن يشدّدوا في الدّليل الشّرعيّ المذكور على الضّاربين عامّة، وذوي الطّباع النّزقة منهم خاصّة، في اعتماد أساليب الضّرب الشّرعيّة الرّادعة الّتي تؤدّي الغرض، ولا تخلّف في أجساد المضروبات آثارا بيّنة قد تنغّص على الضّاربين الشّرعيّين لذّة حرثهنّ في الفرش الوثيرة. وقد يكون من المفيد أن يذكر دعاة الرّفق بصويحبات يوسف، وضرورة معاملتهنّ بالإحسان المندوب إليه شرعا، في دليلهم الشّرعيّ القيّم ما يكفي من المؤيّدات المؤكّدة بالنّصوص المحكمة الموثّقة حتّى لا يقع الضّاربون من ذوي الأمزجة البركانيّة في ما لا تحمد عقباه إن هم تعدّوا طورهم الشّرعيّ وأسالوا دماء المضروبات بدلا من أن يكتفوا بإسالة دموعهنّ البلّوريّة أو الكريستاليّة على خدودهنّ العاجيّة. ومن المعلوم أنّ الدّموع كافية، كما نصّ على ذلك كبار أئمّة السّلف المعصومين، للتّعبير عن توبة المضروبات
وطالبت الفنّانة العلمانية الصّفيقة إذاعة « الزّيتونة » الإسلاميّة الدّستوريّة أن تسجّل حصّة تكميليّة يتفضّل خلالها معارضو الشّيخ الطّاهر الحدّاد (الّذي يتحمّل وزر إفساد المرأة في البلاد التّونسيّة بسبب التّجديف، المقرف لمن حفظ الله عليهم فطرتهم السّليمة، الّذي ضمّنه مصنّفه المتهافت السّخيف الموسوم بـ « امرأتنا في الشّريعة والمجتمع »)، من شيوخ جامع الزّيتونة المعمور، بتوضيح ما إذا كان الشّرع الحنيف يجيز للضّاربين أن يجتهدوا في تأديب المضروبات بما قد يتسبّب في انكسار أحد أعضائهنّ أو تلف جارحة من جوارحهنّ، وعمّا إذا كان من الجائز أن تشكو المضروبة مؤدّبها الشّرعيّ الأهوج وتطالبه بدية ما أتلف من أعضائها وجوارحها، أم أنّ عليها أن تتجاوز عن هذه الإساءة وتغفر لبعلها الورع حماسته التّأديبيّة الشّرعيّة رعاية للعشرة وحفاظا على اللّحمة العائليّة. وعبّرت الفنّانة المسرحيّة عن أملها في أن تستجيب إذاعة « الزّيتونة » لرغبتها، وتسجّل سلسلة من الحلقات الشّرعيّة تخصّصها لتحليل هذا الملمح النّيّر من الشّريعة السّمحاء، الحريصة على راحة المرأة وكرامتها وتوازنها البدنيّ والنّفسيّ، يتولّى فيها أهل الاختصاص من فقهاء الإسلام السّياسيّ الدّستوريّ في هذا الزّمان الردّ على أسئلة الضّاربين والمضروبات على حدّ السّواء. فقد يتساءل البعض عمّا إذا كان من الجائز وذوقا وشرعا تأديب الأمّ بمحضر أطفالها، أم أنّه من الأفضل أن تجلد المضروبة بمنأى عن أنظار أولادها، ولو أنّ في معاينتهم لهذا المشهد الشّرعيّ، على ما فيه ظاهريّا من القسوة، ما يعود عليهم بالنّفع البيداغوجيّ العميم، ويوفّر على والدهم الضّارب التّقيّ مشقّة إخضاعهم لاحقا لما أخضع له والدتهم النّاشز من طيّبات الشّدّة الشّرعيّة الّتي لا تخشى في الحقّ الشّرعيّ لومة لائم
وأشارت الفنّانة المناضلة أنّ في وجود دليل شرعيّ كهذا حماية للنّساء من إفراط ضرّابيهنّ الشّرعيّين وجورهم الذّكوريّ القضيبيّ المقيت. فوجود وثيقة شرعيّة من هذا القبيل قد تتيح الفرصة للمضروبة لكبح جماح بعلها ومؤدّبها، ومنعه من تجاوز التّعريفة الضّريبيّة الشّرعيّة، فلا يكيل لها من الصّفعات الشّرعيّة إلاّ في حدود ما نصّ عليه الدّليل الشّرعيّ، ولا يسدّد لها من اللّكمات الشّرعيّة إلاّ قدر ما أباحه له المشرّع الحكيم، ولا ينهال عليها بركلات يتجاوز عددها حدّ التّأديب الشّرعيّ إلى حدّ التّنكيل فيتسبّب لها في جراح غائرة يستدعي رتقها إبر الجرّاحين ومهارات المجمّلين من بينهم على وجه الخصوص
وأدرك الفنّانة الممثّلة السّتار فتوارت عن الأنظار، وذهب في ظنّ فقهاء إذاعة « الزّيتونة » الأبرار أنّ الأمر مجرّد تمثيليّة ركيكة المبنى والمعنى والإخراج (دبّرتها إدارة الإذاعة لتحفيزهم على المزيد من البذل والعطاء الشّرعيّين، وذلك باستباق اعتراضات المتنطّعات من فسطاط العلمانيّة المقيتة، وإفحامهنّ ومن يقف وراءهنّ من رؤوس الضّلال والإفك)، وأنّه لا وجود في تونس « ثورة الياسمين » لامرأة واحدة تتجاسر على المطالبة عيانا جهارا بإبطال شريعة الله الّتي أجازت للزّوج، بصريح النّصّ، أن يضرب زوجته، ويبذل في ذلك قصارى جهده، مخافة أن يرميه جبّار الجبّارين بالتّقاعس والتّقصير فيخسر الضّارب المقدام الدّارين معا، ويحشر مع الظّالمين في أسفل سافلين بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من الجنّة الإسلاميّة الدّستوريّة (الموهبنة والمدعدشة معا)، على مسافة ملّيمترات من مخادع حور العين في ردهاتهنّ العطرة
واللّه متمّ أمره ولو كرهت الكارهات من ضالاّت العلمانيّة المنبتّات

– 245 –

أن يكون للرّجل – وله وحده – الحقّ في « ضرب » زوجته يعني أنّ المرأة معرّضة للخطأ بفعل نقص هيكليّ في شخصيّتها، المترجم عنه شرعا بنقص في العقل والدّين، ويعني كذلك أنّ الرّجل قادر على تمييز الخطأ من الصّواب في كلّ الأحوال لكمال عقله ونفاذ بصيرته، وهو ما يعني في النّهاية أنّه معصوم من الخطأ، أو أنّ أخطاءه ممّا لا ينتج عه إضرار بالمؤسّسة الزّوجيّة والأسريّة. ولو كان الأمر عكس ذلك لكان حقّ « الضّرب » جائز لكلا الزّوجين، يصلحان به أخطاءهما المشتركة. وكم من الأزواج، الّذين تجاوزت سفاهتهم كلّ الحدود، كان من الواجب الحجر عليهم على الأقلّ. أمّا « جلدهم جلد العبيد » فهذا ممّا لا يجوز لأحد اليوم – امرأة أو رجلا – المطالبة به، أو مجرّد التّفكير فيه. والحقيقة أن لا أحد اليوم، باستثناء مجانين الله من كاراكوزات التّقوى ومساخرها، الطّارئين على السّاحة الدّينيّة المستباحة من أسواق الخضر ومواطن الانحراف والتّائبين من مجرمي الحقّ العامّ، يفكّرون في إحياء عادات الضّرب الوحشيّة وعقوبات الرّجم والقطع والسّحل الدّمويّة. يطالبون بذلك بإيعاز من الإسلام السّياسيّ الدّستوريّ ودعمه، أو تواطئه المفضوح على الأقلّ

– 246 –

حرمان المرأة من نعمة العقل هي عقيدة اشتركت فيها كثير من الأمم البدائيّة، من ضمنها عرب ما يسمّى « بالجاهليّة ». وقد احتفظت الشّرائع السّماويّة بجزء من هذه العقائد وكرّستها في مأثوراتها المقدّسة. إنّه من الخور أن يثمّن مسلمو اليوم هذه الأفكار الخاطئة المهينة بعد أن أثبتت العلوم الإنسانيّة أنّ الفروق الّتي اعتمدتها الأديان للحطّ من شأن المرأة هي اعتبارات جنسويّة (ساكْسِيسْت) لا أساس لها من الصّحّة

فرج الحوار

يتبع