الدكتور أحمد المناعي يردّ على علي العريض الذي اتهمه بالتطرف

هذا هو الجزء الأول من رد أحمد المناعي على علي العريض الذي اتهمه بالتطرف

أحمد المناعي

اليوم 18 ماي 2019. من ثلاثين سنة يوما بيوم أي يوم 18 ماي 1989 التقيت براشد الغنوشي وقد كان يستعد للسفر الى الجزائر حاملا معه مشروعه الأنقلابي وموكلا لأتباعه ومنهم علي العريض أمر تنفيذه

علي العريض كما عرفت

في مجتمع كمجتمعنا انهارت فيه القيم وغابت فيه كثير من الضوابط الأخلاقية، يستطيع أي كان أن يتهم أيا كان بما يريد. ولكن أن يجرؤ شخص حكم عليه بالإعدام مرة وبالمؤبد مرة أخرى وقضى ثلث عمره في السجون في قضايا تآمر على أمن الدولة وووووووعلى اتهام شخص دافع عنه وعن أبناء طائفته بلا هوادة وبلا مقابل بالتطرف يوم كان المحامون لا يقبلون الدفاع عن « الاسلاميين » إلا تعيينا، فذاك لعمري شيء عجاب

إني لم أتعود الرد إلا على نظرائي، وحتى هؤلاء فكثيرا ما أغض الطرف عنهم. وسأرد استثناءَا على علي العريض الذي اتهمني بالتطرف على المباشر وفي غيابي. وأحمد الله أن لم يتهمني بمحاولة الأنقلاب على النظام أو أني زلم من أزلام النظام السابق أو أني استئصالي او لائكي او علماني أو ملحد أو كافر أو مرتد- علما بأني مسلم من قبل أن ألتقي براشد الغنوشي وقبل أن يرجع باسلامه الغاضب الى تونس- أو إني زعيم إرهابي أو رئيس عصابة تهريب أو إني أموَّل من إمارة قطر وأني عميل الأمريكان أو الفرنسيين او أني سفّرت الإرهابيين التونسيين إلى سوريا على طائرات صفاقس ايرلاينز عبر أراضي الخلافة العثمانية الجديدة أوأني من دفعت المجموعة الأرهابية التي اغتالت الشيخ البوطي وتلامذته في محرابه – علما أن الغنوشي هو الذي عرفني باسم الشيخ الفاضل شهيد المحراب لأول مرة في سنة 1968 في باريس – أو أني صديق « ماكوين » و »صوروص » و « أولبرايت » وباقي قيادات الإرهاب العالمي من أحبائه

علي العريض كما عرفته

عرفت علي العريض بالاسم عندما كان مطاردا في خريف 1987، وحزنت لما حكم عليه بالإعدام غيابيا وأشفقت عليه لما ألقي عليه القبض وحمدت الله على نجاته من الموت لما تحول حكم الإعدام الى سجن مؤبد وفرحت لما أطلق سراحه و نسيته بعد ذلك، إلى أن لاقيته صدفة ذات يوم

يوم 18 ماي 1989 كنت كعادتي كلما كان لي شغل في العاصمة وأنزل إليها بالقطار، كنت أطوف ببعض أحيائها القديمة بادئا بنهج الجزيرة ثم باب منارة وساحة القصبة وأنزل منها الى الأسواق ثم باب البحر وأمضي الى حيث أحدد موعدي. ويومها وعلى مستوى رقم 19 نهج الجزائر تذكرت أن مقر مجلة المعرفة يقع في هذا المكان. وكانت نوافذه المطلة على النهج مفتوحة إشارة إلى أن المحل الموجود في الطابق الأول كان مأهولا فصعدت المدرج

وجدت السيد عبد القادر الجديدي على الباب في موقف الحارس فرحب بي وأدخلني المحل بعد أشارة لمن فيه بأن هناك زائرا. زيارتي الأخيرة لذلك المقر كانت منذ أكثر من خمس سنوات بعد سراح الجماعة في محاكمتهم الأولى لىسنة 1981. وقتها كان صاحب المجلة ومؤسسها ومديرها الشيخ عبد القادر سلامة رحمه الله، لا يزال موجودا في هذا المقر، وتحديدا في الركن الأيمن المقابل للباب مع مكتبه ومكتبة صغيرة وراء ظهره

ولكن في هذه المرة غاب صاحب الدار وغابت المكتبة وغاب المكتب وظهرالمحل خال من كل أثاث سوى طاولة صغيرة من « الفرميكا » كتلك التي كانت تؤثث كل المقاهي الشعبية. جلس حولها السيد الغنوشي وشخص آخر لم أكن أعرفه. تبادلنا السلام وترك لي الشخص الثاني كرسيه وسألني راشد إن كنت أعرف علي العريض، فقلت له أني أعرف اسمه

لقد كنت أنت علي العريض ذلك الرجل الثاني وبادرت بالحديث عن أحوالك الخاصة وأنك لم تعمل يوما منذ تخرجك من معهد البحرية التجارية في سوسة فيما أذكر وأنه…. (إنها معجزة ربانية بيد »كلينتنية » -نسبة لهلاري كلينتن- أن يكون أول عمل مارسته في حياتك هو توظيفك كوزير داخلية للجمهورية التونسية ).ثم انسحبت لتقف مع عبدالقادر الجديدي في الركن المقابل

وفي لفتة إلى يميني شاهدت حقيبة في ركن من القاعة وتفطن راشد إلى ذلك فقال لي إنه سيسافر اليوم الى المانيا بدعوة من بعض الطلبة هناك

وتحدث طويلا فيما يشبه الهذيان حول علاقاته المستقبلية مع النظام مركزا على بعض الكلمات منها لفظ: عامين …عامين وهو يخربش ورقة أمامه راسما خطوطا ملتوية طلوعا ونزولا

وفي ثانية تحرك فيه الحس الأمني فالتفت إلى الخلف ونزع « فيشة » الهاتف قائلا لا ندري على المصائب…لم ينبس بكلمة عن الإنتخابات التشريعية التي لم يمر عليها سوى شهر(1)، وهي الانتخابات التي كنت طرفا فيها في دائرة المنستير

ودّعت الجمع وكنت أتصور أن الغنوشي سيرجع بعد شهر أو شهرين، ولكن تساؤلي الوحيد كان كيف حصل على تأشيرة إلى ألمانيا وهو قريب العهد من سراحه من السجن، وشروط الحصول على التأشيرة صعبة جدا. تصورت أن الرئيس بن علي، الذي استجاب لطلبه الملح ومنحه جواز السفر، قد يكون كلف من تدخل لفائدته لدى السفارة الألمانية. لكن الرجل قابل الرئيس بن علي في ذلك اليوم ولم يسافر إلى ألمانيا كما قال لي وإنما إلى الجزائر في سيارة تشريفات الرئاسة أوصلته الى الحدود. هذا ما لم أعرفه إلا بعد 22 سنة وتحديدا في بداية سنة 2011. كما أنني لم أعرف إلا في تلك السنة أن اسمه الحقيقي هو الخريجي بالرغم من أن لقائي الأول به كان في اكتوبر سنة 1968[1

والتقيت مع السيد راشد بعد عامين لكن في المنفى ومن الأيام الأولى وتحديدا من يوم 22 ماي 1991 عندما كنا داخلين ونحن أربعة أنفار إلى مقر قناة « أنتين 3 ) بباريس. أشار الى بولعابي أنه لن يترك من برامج هذه القناة الموجهة الى تونس الا الأخبار (راشد لم يفرق بين « أنتين 3 » التي هي قناة محلية خاصة بفرنسا و « أنتين 2″ التي هي قناة دولية كانت تبث برامجها في تونس ليلا) وأنهى حديثه بـ « صباص او صكاص »  جوابا على سؤال الصحفي. كنت المترجم وحفظت الأسئلة والأجوبة

عندئذ، بدأت أشك في روايتكم بأن نظاما مستبدا قد قرر إنهاء وجودكم واجتثاثكم وشيئا فشيئا فهمت ما حل بالبلاد ومن تسبب في ذلك. وشيئا فشيئا أدركت يقينا أنكم خططتم لمحاولة انقلابية انطلقت بدايتها في يوم 18 ماي 1989 أي يوم تعرفت عليك. وهو ما نددت به لدى السيد راشد في مكالمة هاتفية بواسطة السيد الحبيب المكني يوم 23 سبتمبر 1991 ولم ينكر، لأنه كان لا يزال يأمل في نجاح الخطة

يومها أدركت أنني وقعت في ورطة حقيقية، فمنذ حلولي بباريس يوم 18 ماي 1991 بادرت بكتابة شهادتي عن القمع في تونس، ووزعتها على نطاق واسع، ثم طفت على ست إذاعات محلية لنفس الغرض وأدليت يشهادتي في ندوة نظمت في اليونسكو يوم 13 جوان. وفي شهر جويلية، أدليت بحديثين إلى صحيفتين فرنسيتين وأخرى إلى » وكالة الأنباء الفرنسية « ، وفي نفس الشهر تحولت الى الولايات المتحدة فقدمت شهادتي لدى أمنستي « A.I » و « لويرس كمتي[1] » ولدى المعهد العربي الأمريكي وأدليت بحديث لدى إذاعة واشنطن العربية وعقدت ندوة صحفية في نادي الصحافة بواشنطن. وما إن رجعت إلى باريس حتى استأنفت نشاطي، وكانت لي اتصالات أخرى بنواب في البرلمان الفرنسي بما فيهم نائب الرئيس الذي استقبلني في مقر بلديته صحبة الحبيب المكني وبولعابة، وتقدم بمساءلة لوزير خارجية بلاده بخصوص القمع في تونس وتدخلت في ندوة نظمتها جماعتكم في قاعة في البرجي ثم في المؤتمر السنوي لا تحاد المنظمات الأسلامية في فرنسا وكل ذلك من أجل الشهادة وكل ذلك موثق بالمكان والزمان والأشخاص المشاركين والوسطاء

وهو ما دفع السلط الأمنية الفرنسية الى التحقيق معي في شهر أوت 1991 اذ اعتبروني أني الرئيس الفعلي للنهضة

لم يكن لي من اختيار إلا الأنسحاب من لجنة الاعلام التي تأسست مع شخصين من النهضة. وفي الأثناء جاءني مرسول من الرئيس بن علي في شخص المرحوم علي دلدول (الذي كان ملازما أول في الجيش التونسي ونائب مدير الأمن العسكري- بن علي- حتى استقالته من الجيش سنة 1974) يقول لي: إن وزارة الداخلية قد أخطأت في حقي ويدعوني للرجوع الى تونس كي يصلح الخطأ، وأمام رفضي اعتقل الأمن ابنتي أميرة يوم 19 أكتوبر 1991 وهي دون 15 سنة ويوم 21 أكتوبر اعتقل ابني بلال ذو 19 سنة وهو الذي اعتقل في صيف 1987 وعمره أيضا دون 15 سنة لأنه كان في مخيم كشفي قريب من مكان تفجيراتكم في الساحل السوسي. بلال حكم عليه بـ 26 شهرا سجنا

وبعد 15 سنة علمت أنكم سيطرتم على الكشافة في تلك الفترة وجيشتم أحداثا وشبابا لمعركة الأنقضاض على الحكم فيما سمي بالقضية الأمنية لسنة 1987 وهي التي بعث لي قائدها كل تفاصيلها في سنة 2003 وأصدر فيها كتابا صادرتموه

من شهر أكتوبر 1991 إلى جوان 1992 أي خلال 9 أشهر حضر بلال وأميرة 23 جلسة في محكمتي البداية والإستئناف بالمنستير مما اضطرني لتهريب كامل العائلة خلسة عبر الحدود الجزائرية في شهر جويلية 1992

وبعد عشرين سنة من ذلك يصدع أمني سابق أنه في تلك الفترة أيضا أي في شهر سبتمبر 1991 أوكل إليه مدير المصالح المختصة مهمة اغتيال كل من صالح كركر وأحمد بنور وأحمد المناعي ولكنه رفض[3

(1)،يقول راشد الغنوشي في حديث الى صحيفة ليبراسيون الفرنسية بتاريخ 3-4 أكتوبر 1992

Interview Libération Samedi 3 et Dimanche 4 Octobre 1992

Gilles Millet

Question/ la justice tunisienne en vous condamnant a considère que vous étiez responsable des actions violentes commises par les islamistes

Qu’avez vous à répondre à ces accusations

RG/

Un parti majoritaire tel que le notre qui a 80% du peuple tunisien avec lui n a pas besoin d utiliser la violence

عجيب الا يحرك هذا الزعيم عشر أنصاره لقلب الدنيا على النظام ويخير الخروج من البلاد على أمل الرجوع اليها بعد أن ينجح مخططه الأنقلابي بعد سنتين

[1] بعد أسبوعين من لقائي المذكور براشد الغنوشي دخلت محلا لبيع الأنعال في الوردانين صاحبه حسين سعيدانة كان من أنصار قائمتنا الأنتخابية وهو لا يزال على قيد الحياة وتجاذبت معه أطراف الحديث عما بعد الإنتخابات التشريعية ولما فهم الرجل أني غير راض عن تصرف النهضة قال لي يا سيد أحمد ان النهضة عندها خطة لعامين وهو ما يؤكد شهادة السيد رفيق الغانمي واخرين بأن

من طرائف المحاولة الانقلابية الثانية للعام الواحد والتسعين انها وعلى عكس الاولى لسنة 1987..كانت علنية معلومة للجميع ..تتحدث بها النساء في الحوانيت والصبيان في الروضات .والطلبة في الجامعات .هل سمعتم بانقلاب يتحدّث عنه الناس في المقاهي وفي العلن ..توقيته وابطاله وغاياته ..انقلاب هذا ام انقلاب على تاريخ الانقلابات

[3] Aidez-moi à connaître mon sauveur!

أحمد المناعي