واحدة كألف و ألف كأفّ

المتأمّل في تعامل الراعي مع قطيعه لا يخفى عليه عشق الراعي للإناث و تفضيله لهنّ على الكباش فهو إذا حملت النعجة اشتهى أن يكون مولودها أنثى 

الهادي جطلاوي

الهادي جطلاوي

فإذا كان أنثى فرح و فرّح من حوله. وهو إذا كان في ضائقة ماليّة و اضطرّ إلى بيع بعض قطيعه باع الذكور و حافظ على الأناثي فهنّ رأس ماله و سبب توالد غنمه و تكاثر رزقهو لا مانع إن تقلّص عدد الذكور حتّى لم يبق منهم إلاّ فحل واحد ففيه الكفاية لأداء مهمّة التلقيح و امتداد النّسل . و الذكور مطلوبون للذبح و الجزارة و لحمهم ألذّ لأكلهم من لحوم الأناثي و سيأتي اليوم القريب الذي يمكن الاستغناء فيه على الفحول بتخزين السائل المنوي أو بالاستنساخ فلم يكن في الذكور خير و لم يبق في الذكور خير و ديكة اليوم هم ورثة ديكة مَرْو يخطفون الحبّ من مناقير دجاجاتهم و فرّطنا اليوم في مشاتلنا القديمة و استبدلناها بمشاتل رخوة عظامها و ضعيفة أصلابها و فارغة مياهها

و لعلّه ليس من الصّدفة أن تكنّي العرب عن المرأة بالشاة و النعجة (نظر اللسان) و من قرأ كتاب البخلاء للجاحظ مرّت عليه قصّة ذلك البخيل المتضايق من الاغتسال بالماء العذب في قوله متحدّثا عن زوجته : « و كنت أنا و النّعجة كثيرا ما نغتسل بالعذب .. » و ربّما ذهب في بعض العقول البسيطة أنّ تشبيه المرأة بالنعجة إنّما كان، على رأي العامّة، لضعف بنيتها أو عقلها. و أنا لا أحبّ أن أقف عند ما تقوله القواميس في الربط بين المرأة و النَّعَج وهو الابيضاض الخالص و حسن البشرة و الجمال و إنّما أرى أنّ المرأة كنعاج صاحب الأغنام هي رأس المال و هي الخير و البركة و دليلي على ذلك لا أستمدّه من رعاة المواشي و لكن من هذا الزمن الرديء الذي تقاعس فيه الذكور بنسبة مخيفة و تواكلوا على النعاج هنّ اللاّتي يتعلّمن و يتوظّفن و يلدن و يربّبين و يتعهّدن الكبار و الصغار بالأكل و الشرب و اللبس و المصروف و التعليم و مراجعة الدروس… يغدقن من حنانهنّ و أجسادهنّ طمعا في أن ينلن من الذكور شهادة شكر أو شهادة رضى يستكثرون عليهنّ المساواة بهم و يغيظوهنّ غيظا تضيق عنه صدورهنّ الواسعة يثير ثائرتهنّ فتقرّر النعاج أن تبعث بالأكباش إلى مذابح التاريخ و مسالخه و يحكمن عليه بالخصي و يسحبن منه احتكاره لبذرة الإخصاب و يسقطن منه ورقة التوت التّي تخفي حقارته و نذالته و استثماره في ذكورته. نسأل الله حسن العاقبة

ملاحظة : المعذرة للفحول القليلة التي تحظى بالاعتبار بين النعاج

الدكتور الهادي جطلاوي