يا داوودُ إنّا جعلناك خليفةً في الأرضِ فاحْكُمْ بَيْنَ الناس بالحقِّ

يؤسفني أن أرى بعضا من أولاد بلدي يعودون هذه الأيّام إلى الدّعوة من جديد إلى خلافة إسلاميّة بعد أن هدأت موجة هذا التيّار الذي شهد أيّام حكم النهضة و اشتداد العود الداعشي بسوريا و العراق اشتعالا أتى على الأخضر و اليابس و بعد أن دارت على شبكات التواصل حوارات متشنّجة في الإقناع بتهافت هذه النظريّة الداعية إلى إحياء الخلافة الإسلاميّة. و الظاهر أنّ هذا الخمود لم يكن سوى خمود النار تحت الرماد و أنّه كان ينتظر أن تنفخ فيه ريح الانتخابات البلديّة حتّى يطفح على السّطح من جديد. و الحقيقة أنّ مثل هذه الخرجات الفكريّة تقليعات غريبة عن تربتنا التونسيّة التّي تعهّدتها أجيال متعاقبة من المربّين و المعلّمين بزاد معرفيّ و فكريّ فيه من التنوير و سلامة المنهج ما يحمي أبناءنا من الوقوع في مثل هذه الفخاخ التي لم يعد خافيا علينا مأتاها و مبتغاها و إنّي أرى أنّ علينا اليوم أن نواجه، من جديد، مثل هذا التفكير الرجعي بما يقتضيه من الصبر عليه و الإقناع بفساده و مقاومة تغلغله في عقول ناشئتنا

و لعلّه من الضروريّ أن نذكّر بشأن الخلافة، في معناها الدّيني، أنّنا جميعا، معشر بني آدم، خلفاء الله في الأرض و أنّه تعالى مجازينا على قدر اجتهادنا في حسن خلافته في الأرض و هذا معنى قوله تعالى في مخاطبة الملائكة :  » و إذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة »…(البقرة 30) و قوله : « ثمّ جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون »…(يونس 14) و إذا بالخلافة مسؤوليّة جماعيّة و فرديّة في الآن نفسه لا فضل فيها لمخلوق على غيره و لا إعفاء فيها لمخلوق دون غيره. أمّا الخلافة في معناها السياسي، فإنّ الصيرورة التّاريخيّة قد بيّنت بما لا يدع مجالا للشكّ، أنّها اجتهاد بشريّ من أجل الاستحواذ على الحكم و الدّوام عليه و ليس الدّين إلاّ أداة من أدواته و سلاحا من أسلحته. و أنّ الخلافة على المسلمين، مثلما هي الخلافة على النصارى، مرحلة تاريخيّة قد عفت و بانت حقيقتها و خلفياتها الاستعماريّة، و أنّ داعش اليوم، بفظاعتها، ليست سوى صنيعة نوايا عدائيّة غربيّة عربيّة للقضاء على ما تبقّى من الكيان العربي الإسلاميّ
فرجائي أن لا يحمل أبناء وطني شعارا ليس لهم فيه لا ناقة و لا جمل و إن هم قبضوا عليه ثمنا قليلا لا يسمن و لا يغني من جوع

الدكتور الهادي جطلاوي