فوزي بن عبدالرحمان يسأل : أما آن لنا أن نخرج من هذا الوضع المتردي و أن نحلم و لو قليلا ؟

رفضت الأغلبية منح الثقة لحكومة الجملي في مجلس نواب الشعب
و كان العامل المحدد هو إنتقال تصويت كتلة قلب تونس من الثقة إلى عدمها. دوافع هذا التحول هي في الواقع بعيدة كل البعد على مصلحة البلاد أو شخصية المكلف أو كفاءة و إستقلالية الفريق المقترح كما صُرح به. و الكل يعرف أن الملف القضائي لنبيل القروي هو الذي كان موضوع التفاوض المحدد بين الأطراف السياسية في هذه المرحلة الحساسة للبلاد

و مع هذا فأغلبية القوى التي صوتت ضد منح الثقة هي في الواقع رفضت محاولة الهيمنة المتغطرسة على كل أجهزة الدولة الحساسة من خلال حكومة الجملي. و هذا هو الدرس الذي أردت التركيز عليه في منشوري هذا

حزب النهضة و خاصة من خلال مجلسه للشورى يتعامل مع المجتمع التونسي بغطرسة كبيرة كلما سنحت له الفرصة في ذلك.. غطرسة و ثقافة إقصاء قبلية يحملها خطاب قيادات لم تتعض لا بالتاريخ القديم و لا الجديد. و نادرا ما سمعنا أصوات حكمة صدرت من هذا الحزب و هياكله

بالرغم من تباين أسباب رفض حكومة النهضة و رئيسها المكلف، فالدرس الأول الذي ينبغي للكل أن يعيه هو أن حزب النهضة لا يمثل أغلبية في المجتمع التونسي و أنها ليست « العرصة الأساسية في البلاد » و أنها لا بد أن تقوم بمراجعات جدية و يا حبذا لو فعلت في الواقع السياسي تلك المراجعات التي تكلم عنها رئيسها منذ مدة على أعمدة الصحافة و هي : 1. إنهاء الصراع مع الدولة 2. إعتبار تونس هي الأمة المرجعية 3. قبول مبدأ عدم تغيير المجتمع

نحن في حاجة في بلادنا إلى تجديد العقد الإجتماعي و الخروج من ثقافة الإقصاء لبعضنا البعض. تحطم العقد الإجتماعي في بلادنا من جراء الظلم و القهر و الجهل و الفقر.. و لم نستطع تدارك ذلك منذ 9 سنوات من جراء تراجع الحكمة و الإرادة في وضع أسس جديدة للعيش المشترك و تمركز الصراع حول الحكم و السلطة

اللبنة الأساسية في هذا البناء هي دعم قضاء مستقل و خاصة قضاة مستقلين و هذا من شأنه أن يجعل مجال السياسة بعيدا عن الإبتزاز و بعيدا عن سياسة الملفات الغالبة اليوم

اللبنة الثانية هي وضع مواثيق مؤسساتية جديدة منها قانون إنتخابي جديد.. و يسبقه بالضرورة قانون تمويل أحزاب ثوري و قاطع مع الموجود بطريقة راديكالية لتكريس مفهوم السيادة الوطنية أولا و آخرا و إستبعاد ثقافات الإنتهازية و الإرتزاق

اللبنة الثالثة هي وضع مواثيق جديدة و ثورية من أجل تكافؤ الفرص في خلق الثروة : منها إعادة النظر في المنظومة المصرفية و المالية من أجل دمقرطة وسائل خلق الثروة و منها مراجعة جذرية للسياسات العقارية المنتجة للثروة و منها إعادة نظر جذرية في سياسات التهيئة العمرانية و الترابية من أجل خلق ثروة إدماجية و مستديمة تأخذ بعين الإعتبار الإخلالات الهيكلة الكبرى في الثروة البشرية ببلادنا

العقد الإجتماعي هو بناء مشترك لقواعد لعبة تضمن أسس العيش المشترك و قواعده، يمثل فيها الدستور الأساس و تبنى عليه و حوله لبنات مثل التي ذكرنا و أخرى هامة كمواثيق الشغل و الحماية الإجتماعية و الإدارة و التربية و الصحة و مبادئ سياسات جبائية جديدة و مبادئ التوزيع العادل و كذلك مبادئ الإستثمار في الذكاء و تموقع تونس في العالم

العقد الإجتماعي هو مجموعة مبادئ تحت مظلة الدستور و فوق مظلات برامج الأحزاب و الحكومات. بمجرد الإتفاق حولها تصبح ملزمة بقوة الإرادة الشعبية.. و هو بذلك تكريس عقلاني متطور لما يريده الشعب. برامج الأحزاب و الإئتلافات في الإستحقاقات الإنتخابية هي آنذاك برامج تحسين ظروف عيش المواطنين : شغل، صحة، تعليم،نقل، إستثمار، نمو و مناخات رقي حضاري شامل

مثل هذه المواثيق موجودة في أمثلة دول عديدة غالبا ما سطرت و كتبت أثناء أو بعد أزمات حادة و مثلت في الغالب حلم الخروج من ذلك الوضع

آما آن لنا أن نخرج من هذا الوضع المتردي و أن نحلم و لو قليلا ؟

فوزي بن عبدالرحمان