الدكتورة نائلة السليني ترد على الأزهري رضوان السيد : ما دواء الفم الأبخر.. كان السواك الحرّ

بجاه ربّي آش نعملّو؟ ما شاف من المناضلات كان نائلة سيليني.. وحطني على راس فركة.. لكن شنوة نقول: أزهري وفريع من الأزهر ما يخرّج كان النتونة.. والردّ عليه واجب 

ردّا على مقال رضوان السيد أقول
أَلاَ لاَ يَجْهَلَـنَّ أَحَـدٌ عَلَيْنَـا فَنَجْهَـلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَـا

يبدو يا سيّداتي وسادتي أنّ الأزهر قرّر محاربتنا نحن التونسيين، وأنّه جنّد ترسانة من بناته وأبنائه حتى يشحذوا ألسنتهم ليبثّوا سموم الرجعية في مجتمعنا عسى أن يوقف تيّار الحداثة والثورة الثقافية التي بدأت علاماتها تظهر في نقاشنا وخصامنا

ويبدو أنّ ابنهم البارّ رضوان السيد كلّف بمهمّة، ولا أدري إن كان من الكنيسة الأرثدوكسية الأزهرية أو من السياسيين الذين تفزعهم يقظة عقلنا التونسي ونضج مجتمعنا، هذه المهمّة تقوم على بيان تهافت مطلبنا في اعتبار المرأة إنسانا والمساواة التامّة دون قيد أو شرط مع الرجل، ولذلك رمى بدلوه في جريدة الشرق الأوسط السعودية يوم 24 أوت وأسهم بمقال عنوانه » الشرعية الإسلامية في المجتمع والدولة ». وكما ترون هو عنوان فيه ما فيه من الدسامة، كيف لا والسيد كريم بطبعه وخاصّة أنّه نشره رابع أيام العيد، مخيف وله من القدرة ما يكفي ليطرد أصحاب النفوس الهشّة وأصحاب الأيدي المرتعشة؟ وكيف لا ومن نطق به لبس جبّة العلم ولم لا الإفتاء لو سمح له أهل السياسة والذكر بلبنان؟ فذاك طموحه الأقصى؟ ولم لا ومن يكتبه مستشار عند أولي الأمر الذين يرعونه ويتعهّدونه؟ ولم لا ومن يسهم به ينطبق عليه المثل : إش يا ذبانة

تطفّل علينا السيّد ودخل دارنا وتربّع بيننا، بل واختار لنفسه كرسيّا أتى به معه تحت إبطه، لأنّنا لا نعترف بهذا الكرسي، إنّه كرسي الوعظ والنصيحة ورئاسة ديوان الإفتاء. فانطلق بدءا بنصح رئيس جمهوريتنا وتحذيره من أهل الزيغ  » العلمانيين » الذين استقوى عودهم في هذا البلد الذي كان آمنا. وأراد أن يوظّف آليات للإقناع أقل ما ينطبق عليها من الأوصاف أنّها آليات مهترئة وساذجة، وهي أقرب إلى الثلب والسبّ منها إلى التحليل الموضوعي. ذكّر السبسي بتاريخ مجلّة الأحوال الشخصية.. وبقدرة قادر تصير مجلّتنا محلّ ثناء في صحيفة سعودية، وليتها تتحوّل إلى مرجع في تشريعاتهم للأحوال الشخصية عسى أن تتنفّس المرأة السعودية، وينطلق لسانها ولا تسجن لأنّها طالبت بإنسانيتها المسلوبة

وبقدرة قادر يعتبر السيد أنّ بلادنا بحكم الدستور دولة إسلامية، وكأنّي بالقرضاوي يتكلّم في أرض الحجاز، يتلاعب بالعبارة العربية ويلوي عنقها نحو ما يريد من التأويلات، ويقدّم للقارئ معلومات خاطئة تاريخيّا، وأعتقد أنّه يقدّمها عن جهل والسبب في ذلك يعود إلى أنّه استقى معلوماته ممّا يكتبه الإخوان عندنا: فيا سيدي صحّح معلوماتك، فمجلّة الأحوال الشخصية ليست إسهاما من الشيخ جعيط ، ولم يقدّم جعيط للزعيم بورقيبة سوى ورقة فيها اجتهادات فقهية متنوّعة لا غير، ومن حرّر المجلّة إنّما هم من المختصّين في القانون. وأزيدك ، عندما اكتملت المجلّة جمع آنئذ الرئيس بورقيبة كبار شيوخ الزيتونة في مكتبه للتزكية لا غير، وحتى أقرّب لك الصورة، كما يفعلون معك الآن عندما يأمرونك بتدعيم أيّ قرار سياسي

أمّا المعادلة الثانية فهي تلك التي يوظّفها الإخوان في الدفاع عن مشروعهم الاجتماعي: إنّها معادلة نحن الأفضل وهم الأسوأ، القيم الإسلامية قطعية الدلالة والعلمانية جرثومة الحداثة التي يجب استئصالها من مجتمعاتنا حتى نعيش في أمن. قد يصدّقك البعض في مجتمعاتنا الإسلامية، لكن تأكد يا رضوان يا سيد أنّها تهمة اهترأت بل في نظر الكثيرين في مجتمعنا التونسي تبعث على السخرية، وقلت الكثيرين وليس 15 في المائة كما ذكرت استنادا إلى ما يقوله الإخوان. فهل تابعت مسيرة 13 اوت بشارع الزعيم؟ أعتقد لا لأنّك تنطق بخوف الآخرين من ثورة قادمة ستأتي على الحابل والنابل

هذا التحليل الذي قدّمت انتهى بك إلى ثنائية الشرع الإلهي ، المتمثل في القرآن والقانون الإنساني الذي يسعى الإنسان إلى تركيزه، وأردت أن تخرج هذه الفكرة في صورة تهكّمية، وهي في نظرنا ليست تعبيرا سوى عن تفكير سطحي كلّسه السعي اللاهث إلى الغنم القريب

أنا فعلا محرجة، عندما أهمّ لأن آخذ بيدك وأهديك إلى الطريق الصحيح. محرجة لما سأقوله لك: فهل تعتقد للحظة أنّ رئيس جمهوريتنا هو رهينة  » العلمانيين » و » النسويات »؟ أم إنّك تأثرت بسياسة البلاطات التي أودت بمجتمعاتها إلى الانغلاق ورفض الحداثة؟ أين نظرك النقدي حتى يبيّن لك أنّ المجتمع التونسي يعيش حالة ثورة ثقافية حقيقية وليست بزائفة. فأنت اليوم لا تستطيع أن تقنع أيّا كان من التونسيين والتونسيات مهما اختلفنا معهم بأنّ المرأة ليست بإنسان كامل وأن مطالبها ليست بمشروعة، بقي اختلافنا في كيفية تجسيم هذه المساواة. وهذا ليس يسيرا في بلدان عربية كثيرة

تحاربنا لأنّنا طالبنا بحق شرعي، حقّ الرجوع إلى النصّ وإثبات أنّه لا توجد البتة دلالة قطعية. والغريب أنّك تنضوي مع  » الإخوان » في التمسّك بفاصلة من القرآن وتتجاهل نسق الدلالة القرآنية، وترمي وراء ظهرك جميع مقالات القدامى الذين قلّبوا هذه المسائل في جرأة واختلفوا، ومع ذلك لم يهن أحد منهم الآخر، ولم يقل « هذا قانون عائشة أو زينب » كما قلت متهكّما  » قسمة سيليني ». تبّا لهذا العصر الذي نعيش فيه.. عصر ينطق بفحولة زائفة وفكر كلّسه الجشع بعد أن ذاق عسيلة المال فصار له عبدا

فإن كنت يا سيد غيورا على الشرعية الإسلامية فلتحارب جميع قوانيننا، حتى ترتدّ بالمرأة التونسية إلى شريعة العشيرة، وإن لم يكن مجتمعنا قائما على العشيرة فلنستوردها من أرض ترضاها: لتطالب باسترجاع أحكام ملك اليمين، وما ينتج عنها من فروع في عدّة الأمة وخروجها للنخاسة، وتجويز وطء سيدها وزجها لها معا، وهذا طبعا لن يكون سوى تأسيس لأسرة مسلمة سليمة. ولتطالب بحقّك إذا ما أسلم ذمّي على يديك في نصف ميراثه، وتكون قد أحييت ميراث الولاء.. ولتشرّع بنسبة الولد إلى أبيه إذا توفّي أو طلّق أمّه حتى وإن كان بعد أربع سنوات… وأحنا صرفنا صرفنا كما نقول في تونس فلنحتكم إلى القافّة في نسبة الولد إلى أبيه… ولتنصب محاكم خاصّة تنظر من أين يبول المخنّث حتى تحكم له بالميراث نصفا أو كاملا…الخ.. من الترهات الفقهية التي تبني شريعتك وتعتبرها منقذة للأسرة المسلمة، أسرة تجيز النظر فيمن تزوّج ابنته أو أخته وهو لا يعلم… ألا أفق يا سيد وانهض، فتونس استفاقت وأوّل من استفاق فيها نساؤها، ولتعلم إن لم يخبروك أنّ زميلات نائلة السليني وزملاؤها كلّ واحدة منهنّ ، وكلّ واحد منهم « علم على رأسه نار »، وإذن عندما تتحدّث عن أيّ منهم / منهنّ يجب أن تنحي لنا تبجيلا.. ويجب أن تدرك أنت وكنيستك أنّ مشاغلنا شأن تونسي بحت، وكما أنّنا لا نتدخّل في شؤونكم عليكم أنتم أيضا أن تحترموا اختياراتنا، وإذا رام أيّ منكم أن ينبش بأظافره ذيلا من ثوبنا فإنّنا لكم بالمرصاد

ولمن لا يعرف رضوان السيد أقول
ديدن هذا الرجل محاربة كلّ فكر حداثي، بالرغم من أنّه يظهر لك بلبوس الفيلسوف العالم والعارف. يتبرّم منه الحداثيون في العالم العربي لأنّهم يرون فيه أمورا لا نعرفها نحن عنه، وقد اكتشفتها بعد أن تجوّلت في عالم الانترنات والصحف الالكترونية. فالرجل أكله الارتزاق ، ويشتغل بما يكلّف من مأموريات ، ويحتاط حتى لا يخسر أصحاب الفضل عليه. وأنا أنقل لكم في أمانة فقرة مما قرأت عنه في صحيفة إيلاف، يقول صاحب المقال صالح الراشد  » عندما يصبح المفكّر بوقا: رضوان السيد مثالا »:  » يقول الساسة يا رضوان: (أينما تكون المصلحة فثمَّ شرع السياسي)؛ فالمصلحة هي التي تفرض في نهاية المطاف منطقها، وقيمها، وشروطها؛ وعندما تراهن على حصان (واحد) لا يملك إمكانات الفوز، فلا تتوقع أن يأتي متقدما في سباق هيأ له المتنافسون أفضل ما يملكون من جياد… أخي رضوان؛ أعرف أنك مدفوع للكتابة، وتقبض في نهاية النهار ثمن ما تكتب عداً ونقداً… أربأ بك يا رضوان أن تصبح في نهاية حياتك مجرد بوق ينفخ فيه الآخرون. » . مع التنبيه إلى أنّ صالح الراشد سعودي

و عسيلة الارتزاق التي ذاقها دفعته إلى أن يكون في كتاباته سجين وحدات ثلاث في الفكر الإسلامي السياسي وهي: وحدة الأمة، ووحدة الدار، ووحدة السلطة. تأتيه الجوائز طائعة لمجرّد النظر في هل يجوز وجود خليفتين في وقتٍ واحد؟ ومن مآثره قوله :  إن لدينا نحن العرب اليوم وغداً ثلاث أولويات هي استعادة السكينة في الدين، واستنقاذ الدولة الوطنية العربية، وتصحيح العلاقة مع العالم

اليوم وبعد أن نزل عليك المال مدرارا يا سيد يا رضوان صرت تنادي : بأنّ خلاص الدولة العربية لن يتحقق سوى بمنهج السلفية المعتدلة، جاء ذلك خلال محاضرة نظمتها الأمانة العامة لـجائزة الملك فيصل العالمية، بعنوان « الأعمال في التفكير السياسي الإسلامي .. ومسألة المرجعية العلمية ».. أي وبعد أن امتلأ كيسك بما يقابل 200 ألف دولارا تأتي إلينا نحن التونسيات والتونسيين ناصحا، موبّخا ومرشدا رئاستنا بالابتعاد عنّا واتباعك أنت ومن تدين بولايتهم.. وهذا ليس بالغريب عنك فقد شيدت مشروعا متكاملا في ذهنك، أنت يا من عيّنك الحريري مستشارا.. أنت يا من تنكّرت للمجتمع اللبناني فرفضت إنجاز مجلّة للأحوال الشخصية تجمع بين كلّ الطوائف اللبنانية، وتطمح عسى أن تعيّن مفتيا، لكن هيهات قد يكون  » للعلمانيين » بلبنان كلمتهم

كلمة أوجّهها لمجتمعي بتونس: هذا نموذج حيّ لارتعاد فرائصهم من تونس ومن المرأة بتونس لأنّنا تحوّلنا غصبا عن إرادتهم إلى نموذج تحتذي به المرأة العربية . وكم نحن متضامنات مع المرأة العربية حتى في نضالنا نحمل معها الهمّ لأنّ صدرونا رحبة وخلقنا كريم، ولأنّنا نريد إرساء إسلام منفتح ينافس جميع العقائد دون تصادم. ولو كان صادقا فيما يقول ويفكّر فأين مقالاته فيما تعانيه المرأة العربية؟ وأين هي حملته على مبادرة الأزهر بإحداث أكشاك بمحطّات الميترو بالقاهرة؟ يرسلون فتاواهم جزافا، ويقيّدون عقل المرأة والرجل بسلاسل من الحرام والحرام

نتيجة هامّة أخرج بها : الإخوانية منغرسة في العقول، ولا فرق بين إخوانيّ ومحافظ إلاّ في القدرة على افتكاك الحكم

ولأنّنا ندرك قيمة العبارة القرآنية عندما قال تعالى » أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها »، فقد كسّرنا القفل فمتى سيعقدون العزم؟ أم إنّهم في ضلالهم ينعمون؟
هذا ردّي يا سيد أسارع به حتى لا يذهبنّ في ظنّك أنّنا ، نحن النساء بتونس، خشينا صوتك، وحذار لا تقترب منّا، وإذا عدت عدنا بما هو أشدّ وأعظم. بالإمكان أن أجيبك بمثل تونسي :  » ما دواء الفم الأبخر.. كان السواك الحرّ » لكن هل ستفهم مغزاه؟؟ لذا فخير ما أختم به كلامي مقالة علي بن أبي طالب، عسى أن تدرك مغزاها

لئن كنتُ محتاجاً إلى الحلم إنني * * * إلى الجهل في بعض الأحايين أحوجُ 


ولي فرسٌ للخير بالخير ملجمٌ * * * ولي فرسٌ للشر بالشر مسرجُ
 

فمن شاء تقويمي فإني مقوَّمٌ * * * ومن رام تعويجي فإني معوَّجُ


وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً * * * ولكنني أرضى به حين أحرجُ

 الدكتورة نائلة السليني