ردّ على بيان المتأسلم الجِلْفِ الوَقِح الهاشمي الحامدي

كيف يمكن أن تقنع إسلامسياسيّا متغطرسا جلفا، متشبّعا بإسلاميّته الوقحة حتّى النّخاع – أو حتّى ما أبعد من النّخاع -، أنّ الطّريق العامّة السّيّارة، وغيرها من المرافق العامّة، ليست مسجدا، ولا يجوز تحويلها عن وظيفتها الأصليّة لأيّ سبب من الأسباب، ولو كانت صلاة احتجاج على تقرير لجنة « الحقوق الفرديّة والمساواة » (الّذي لم يقرأوه طبعا واكتفوا بقراءة الفصل الأوّل من الدّستور الّذي يجيز لهم، كما يزعمون، أداء شعائرهم في كلّ مكان تزيّن لهم أهواؤهم احتلاله) أو صلاة عيد الثّورة، أو صلاة عرس التّيمقراطيّة، أو صلاة إنهاك الدّولة تمهيدا لوأدها، أو صلاة التّنمية الشّرعيّة وتطوير الإنتاجيّة المعبديّة الورعيّة التّقوويّة، أو صلاة الرّياء الّتي تقام في الوزارات والإدارات، وتصوّر وقائعها كاميرات التّقوى، أو أيّة صلاة أخرى من موسوعة الصّلوات الاستظهاريّة الإشهاريّة التّعبويّة الّتي استنبطتها « ثورة الياسمين الإسلامويّة » في مهد « الرّبيع العربيّ »، بإشراف شركة « الفرقة النّاجية للعبادة والانعباد والتّعابد والمعابدة والتّعبيد والعبددة والمعبوديّة »، وغيرها من مشتقّات العبادة الفطريّة الّتي لا تختلف عن التّنفّس والأكل والشّرب، كما يزعم المدعوّ الهاشمي الحامدي؟
وإليك دفعة ثانية من الأسئلة إن أعجزك الرّدّ عن الدّفعة الأولى منها: كيف يمكن أن تقنع نفس هذا العربيد المتعجرف أنّ الطّريق، مثله مثل المسجد، مرفق عامّ، وأنّه بصفته تلك، ليس ملكا لأحد (لا لمسلمي تونس، ولا ليهودها ولا لمسيحيّيها)، ولا مكان فيه لغير العاملين والعابرين من كلّ الممل والنّحل، لا فضل لملّة على أخرى إلاّ بالجهد والكدّ؟ بل كيف تقنع ابن رأس الفرقة النّاجية المدلّل هذا (هذا التّونسيّ الموسميّ والإنجليزيّ الأبديّ)، أنّه يمنع منعا باتّا تحويل الطّريق العامّ إلى مسجد أو برلمان أو فسطاط اعتصام أو مبغى، تماما كما يمنع تحويل المعبد إلى طريق عامّ أو مقهى أو حانة أو سوق تباع فيها الذّمم والأعراض وتشترى بأبخس الأثمان ليوكل إليها بمهمّة التّكبير ومشاركة العصابات الإسلامسياسيّة صلواتهم الكرنافليّة؟
والهاشمي الحامديّ، الحريص على حقوقه الدّستوريّة (والمفرّط في حقوق غيره من التّونسيّين)، يزعم أنّه « ملاّكا » وليس « كاريا »، أي أنّ تونس من الحدّ إلى الحدّ، ملك خالص لهم ولأمثاله من الغوغائيّين وسماسرة التّقوى، وأنّ من حقّه، بناء على عقد الملكيّة هذا المسجّل في الدّفترخانة، أن يقتطع من أرض تونس القدر الّذي يريد في الوقت الّذي يريد، ليحوّله إلى مسجد في الهواء الطّلق، يمارس فيه، هو وجوقة الكاراكوزات المصاحبة له، تهريجهم التّعبّدي المقرف. ولو افترضنا جدلا أنّ تونس أضحت ملكا لهذا البهلوان، فلماذا اختار لرياضته الصّلاتيّة طريقا نجسا قذرا، ولم يقتحم مثلا مبنى وزارة الدّاخليّة (وهو ملك له ولقطيعه أيضا) فأطرد منها موظّفيها وأعلنها مسجدا له حتّى إشعار آخر؟ لماذا هذا الإصرار على اختيار الطّريق والحال أنّ كلّ مرافق شارع الحبيب بورقيبة ملك مشاع للحامدي وعصابته ليشبعوا فيه فطرتهم الصّلويّة القهريّة؟
والآن، اخط خطوة ثانية وحاول أن تشرح لهذا الإسلامسياسيّ البليد، الّذي لم يجد فضاء يتّسع لفطرته التّقوويّة في كلّ جوامع تونس ومساجدها، أنّ مستعملي الطّريق ليسوا مطالبين بانتظار فراغه من صلاته الطّريقيّة ليعيدوا الأمور إلى نصابها، وأنّ العدالة لن تؤاخذهم لو دهسوه في مركعه المرتجل ومزّقوا جسمه إربا بعجلات عرباتهم وشاحناتهم وسيّارات إسعافهم. وذكّره – وإن كانت الذّكرى لا تنفع أمثاله – أنّ « إسلامه الكرنفاليّ » لا يجيز له أن يلقي بيديه إلى التّهلكة، ولا يجيز له أن يبتذل دينه فيجعل منه وسيلة لابتزاز الغير واستفزازه وتعطيل الحركة الاقتصاديّة، وأنّه لن يجني من صلاته الطّريقيّة، بعد الفضيحة، إلاّ اللّعنة الأبديّة لأنّه سيكون في مقام المنتحر إذا نفق في مركعه القذر هناك.
ولكن أكبر الظّنّ أنّ هذا الإسلاميّ الوقح الجسور، خرّيج الفرقة النّاجية وخليعها المتصعلك، لن يفسح لك المجال لتستكمل شرحك، وسيقاطعك صارخا – أو ضاربا مجاهدا ربّما – أنّ العالم برمّته مسجد له، يصلّي في أيّ شبر شاء منه، لا يعترض عليه معترض إلاّ أشهر في وجهه كلّ سلاح الدّنيا فأخرسه أو أباده. وليمت أعداء الإسلام بغيظهم، بل لينفجروا من شدّة الغيظ إن أرادوا، فلن ينزاح الإسلامسياسيّ من طريقهم السّيّارة إلاّ بعد أن يستوفي النّوافل كلّها، ويضيف إليها ما تيسّر من ركعات الاختتام والوداع والشّكر والامتنان، وما تيسّر من الأدعية الصّالحات، وما تيسّر من اللّعنات الماحقات يستنزلها على أعضاء « لجنة الحقوق الفرديّة والمساواة » ومن يقف إلى جانبها من الفراكفونيّين والمنبتّين والحداثيّين وشذّاذ الآفاق، وعلى أصحاب العربات والشّاحنات الرّابضين على بضعة أمتار من مركعه الطّاهر
فما العمل إذن – تسألونني أو أسالكم لا فرق – لإقناع أمثال هذا الإسلاسياسيّ الأرعن والتّونسيّ الموسميّ بالتّمييز بين مجال المعبد ومجال العمل؟ لا أدري ما جوابكم عن هذا السّؤال، ولكنّي لا أخفيكم خشيتي من أن نستفيق يوما فنجد تونس قد تحوّلت، من الحدّ إلى الحدّ، إلى مسجد يقوم المصلّون فيها سدّا منيعا في وجوه العاملين، كلّ العاملين بدون استثناء، يقودونهم مغلولي الأيدي مكبّلي الأعناق إلى المراكع الرّسميّة والارتجاليّة – ومن ضمنها الطّريقيّة – ويعهدون بهم هناك إلى من يقوم على تأهيلهم بكلّ الأساليب البيداغوجيّة الشّرعيّة المعتمدة في الأراضي المقدّسة حيث يتوقّف العمل وتشلّ الحركة لإفساح المجال للمؤمنين لإشباع فطرتهم الصّلويّة الّتي لا يمكن تأجيلها أبدا، ولذلك تقام في أيّ موضع يفاجأ فيه « المصلّي الفطريّ » بصوت المؤذّن
بل لا تعجبوا إن خرج علينا، من جحافل المصلّين الطّريقيّين والشّواطئيّين والسّاحاتيّين والرّصيفيّين، من يذكّرنا أنّنا شعب من المصلّين أوّلا وقبل كلّ شيء، نصلّي حيثما أدركنا وقت الصّلاة، لا نؤخّر الصّلاة عن موعدها ولو انقلبت الدّنيا رأسا على عقب، وأنّ التّقوى تقتضي أن تتوقّف الحياة تماما في تونس، بمقتضى الفصل الأوّل من الدّستور، حالما ترتفع فيها أصوات المؤذّنين، وأن يركع شعب تونس بتمامه وكماله في الطّريق والقسم والإدارة والمستشفى والملعب والقصبة وباردو وقرطاج، أسوة بالفرقة النّاجية وأتباعها
– الصّلاة ثمّ الحياة. بل الصّلاة وكفى. بل الصّلاة خبزنا وإدامنا وتنميتنا
هذه هي الشّعارات الإسلامسياسيّة، فلتعوها جيّدا أيّها التّونسيّون، ولتكفّوا عن إزعاج إخوانكم المتعبّدين في الطّرق السّيّارة – وعن قريب إن شاء اللّه في قلب الطّرق السّريعة، وفي قلب مجرى الطّائرات، وفي قلب مسالك القطارات الحديديّة، وفي قلب كلّ ما يسعى ويدبّ -، ولتحمدوا اللّه لأنّه لم يحرقكم ببروقه وصواعقه جزاء وفاقا لكم على استباحتكم لأعراض عباده الصّالحين من المصلّين الفطريّين، الّذين تركعهم فطرتهم الصّلويّة حيث يدركهم وقت الصّلاة، هؤلاء الّذين اتّخذوا لهم شعارا، لا رجعة فيه، ينهالون به على رؤوسنا وظهورنا في كلّ حين وآن : الصّلاة قبل العمل
وذهب بعض أبناء الفرقة النّاجية إلى أبعد من ذلك، فصاحوا في معاقلهم الجبليّة الوعرة: « الصّلاة قبل الحياة ». ولن يهدأ لهؤلاء بال حتّى يصبح هذا المبدأ الإسلامسياسيّ العظيم شعار الجميع في مهد « الرّبيع العربيّ » الفوّاح. لذلك كشّر رأس الفرقة النّاجية عن نواجذه دفاعا عن قانون « التّوبة » الّذي سيسمح لأبنائه العائدين من جبهات القتال البعيدة بممارسة رياضتهم الصّلويّة الدّعويّة الحاسمة داخل البلاد، أمام خيامهم الدّعويّة، بعد أن استكملوا عمليّاتهم الجراحيّة الاسئتصاليّة خارجها، دعما لجهود إخوانهم المتخندقين في مجلس الشّعب ووزارات السّيادة وجميع مفاصل الدّولة الفاجرة
وبعد، فليعلم المستنكفون منكم لمنظر الإسلامسياسيّ في مركعه الطّريقيّ الزّكيّ في قلب نهج الحبيب بورقيبة، تعلوه آسته المصوّبة نحو السّماء، أنّ هذا المشهد الرّائع، الّذي أثار حفيظتكم وملأ أنفسكم غثيانا، أحبّ إلى اللّه من منظر عرباتكم وشاحناتكم وهي تنهب الأرض نهبا بدلا من أن ترفع أستاهها ملبّية داعي خالقها وخالق من يمتطي صهواتها من جيوش الفسق والرّدّة، عسكر الجاهليّة الجهلاء وحطب جهنّم، عليهم لعائن الباري إلى يوم اللّقاء. وما يوم اللّقاء ببعيد لو كانوا يفقهون. وأضاف أنبياء السّاعة من رؤوس الفرق النّاجية : وماذا عساكم صانعون لو جعلنا الآست المصوّبة للسّماء شعارا أبديّا لبلاد اللّه؟ ولتموتوا بغيظكم طبعا، فهذا أقلّ ما يستحقّه أعداء الفرقة النّاجية، حامية الإسلام في هذه الدّيار
بقيت نقطة مهمّة لا بدّ من التّعريج عليها هنا، وتتعلّق بما ذكره المتأسلم الهاشمي الحامدي عن الطّابع الفطريّ للصّلاة، مبرهنا على « فريته » العجيبة هذه بأنّ الصّلاة في مقام الأكل والشّرب والتّنفّس، لا يمتنع عنها ممتنع إلاّ هلك. ولسنا ندري على وجه التّحديد لماذا توقّف الحامدي في تعداده للأعمال الفطريّة عند الأكل والشّرب والتّنفّس، وكان الأحرى به أن يذهب في تشبيهه إلى منتهاه فيضيف إلى قائمته الجنس والغائط، وهما من الأفعال الفطريّة الملحّة أيضا؟ والخشية أن ينتبه هذا المتأسلم المغوار يوما من غفلته ويبادر هو وأتباعه من رافعي شعار « المحبّة »، عملا بنفس القاعدة الّتي اعتمدها في تبرير صلاته الطّريقيّة، إلى التّغوّط والجماع حيثما تدركهم الحاجة. ولا لوم على من انقاد لدواعي فطرته. والخشية – كلّ الخشية – أن تتحوّل تونس، الّتي مسختها الفطرة الصّلويّة مسجدا من الحدّ إلى الحدّ، إلى غائط ومبغى. بل لعلّ هذا التّحوّل تمّ فعلا في غفلة منّا. تذكّروا فقط أنّ بلادنا تحوّلت إلى مصبّ قمامة في عهد التّرويكا السّعيد، ربيبة هذا الكاراكوز الإسلامسياسيّ، وتذكّروا أيضا أنّ « الزّواج العرفي » و »جهاد النّكاح »، و »تعدّد الزّوجات » الّذي يطالب المشعوذ العليمي بإعادة العمل به، قد حوّلت بلادنا فعلا إلى ماخور

فرج الحوار