تربية : فَتِّشْ عن المرأة في برامج العربية

مع تصاعد حملات التنديد بالعنف المسلّط على المرأة أدعو إلى قراءة صورتها في برنامج الأدب العربيّ قديمه وحديثه المدرّس للثانوي من الأولى إلى الرابعة (المرأة في الشعر الغزلي، المرأة في مسرحيات توفيق الحكيم، المرأة في روايتي » الشحاذ  » و »حدث أبو هريرة قال.. »، المرأة في « رسالة الغفران »، المرأة في مسرحية : مغامرة رأس المملوك جابر اقرؤوا تجدوا ذلك العنف الخانس المزوّق المنمّق وتلك الشظايا المبعثرة على مرآة مخيالنا الثقافي الإبداعي الفنيّ الذي يعكس – للأسف – صورتها السلبيّة المضخّمة المهمّشة المدنّسة المغمّسة في قعر موروث ذكوري ارتهنها في فكرة الخطئية الأزليّة ( كراهية النساء « ميزوجينيا » ) لن تجدوا غير حواء رمز الغواية والسقوط وتحمل مسؤولية الرزايا والقيم السلبية، مهما تغايرت الأدوار والأسماء ، أدب عنيف بامتياز جعل صورة المرأة تتهشّم مرارا وتكرارا على قارعة رؤى ذكوريّة لا تعترف بغير الأمّ قيمة مقدّسة، أمّا بقيّتها فجسد جميل يثير الغرائز ويحرك الرغبات الدفينة ويغري بالقبل والوصل أو أنثى قاسية هاجرة أوغانية أو ظعينة تسبى في الغزوات والحروب أومعشوقة معرّضة للتحرّش المشروع باسم الغزل يشبّب بها رغم أنفها حتى وإن كانت زوجة محصّنة أو جارية تغنّي في المجالس لتطرب السكارى ثم يتسلّى بها على سريرالخلفاء أو قينة تسقي الندماء خمرة أو زوجة تعسة مستكينة يملّ منها البطل الرجل الفحل فيبحث عن سواها لتكون عشيقة يعيش معها مغامرة نقول لتلاميذنا إنها قمّة الحريّة والوعي الوجودي أو هي خائنة لعوب كالأفعى نكسوها جلد الرمزية والأبعاد الذهنية
هذه هي صورة المرأة في تعليمية الأدب العربي قديمه وحديثه التي انتخبتها المدرسة التونسية وجعلتها بارزة في برامج العربية على مدى عقود لا تكرّس سوى عنف صريح مقيت لا نزال نقبله ونشجع على درسه رجالا ونساء، فلا نبني قيم المواطنة والمساواة ولا المعاني الإيجابية لوجودها النسوي ( لا الأنثوي) وجودا مشتركا مع الرجل لا غنى فيه لأحدهما عن الآخر
تلك الصور نتوارثها جيلا عن جيل ونعيد استنساخها في نماذج ذكورية مكرورة متعالية هي في قمّة السقوط والدناءة أصبحت بمثابة قوالب وكليشيهات تحتضنها المدرسة والتربية الأدبية والشعرية و تجترها تعليمية نقدنا الأدبيّ العربيّ ولا يملك أحد جرأة تغييرها واستبدالها بأخرى عن المرأة المكافحة والمعطاء المضحية الجميلة لا جمال الظباء ودقّة القدود وضخامة النهود بل جمال الفعل النبيل والإحساس الرهيف بوجودها هي قبل كل شيء وكذلك بوجود الرجل وكل المعاني العميقة للمساواة في الحياة
فأين المرأة المناضلة الشهيدة وأم الشهداء وأختهم ورفيقتهم؟ أين العاملة في الحقول والمصانع والبيوت؟ أين العالمة العارفة المغيّرة لوجه التاريخ؟ أين القائدة الزعيمة المصلحة؟ أين الرياضية الفنانة المبدعة؟ أين المفكرة الفيلسوفة الناقدة؟
أين المرأة بما هي امراة بكلّ بساطة وواقعية؟
فإن كنّا نريد القضاء على ثقافة العنف والتحرّش والسبي والخيانة فلنبدأ بالمدرسة وبرامج العربية وقد تكلّست وتيبّست وصارت عنوان بلادة وتخلف ذكوري لا نريد الاعتراف به وبآثاره المدمّرة للثقافة المدنية والإنسانية فقط لأننا نرى في الأدب حقّا ذكوريا في تشكيل ملامح المرأة كما يراد بها لا كما هي فعلا وكما يجب أن تكون

سلوى العباسي