الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تعتبر تقرير « لجنة الحرّيات الفرديّة والمساواة » منارة فكرية وثقافية و حضارية

رسالة
إلى السيّدة رئيسة لجنة « الحرّيات الفرديّة والمساواة
والسيّدات والسادة الأعضاء في اللجنة

نحن الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
بعد اطّلاعنا على التقرير الذي أنجزته هذه اللجنة الموقّرة والموسوم بعنوان  » تقرير لجنة الحرّيات الفرديّة والمساواة  » وبعد قراءته القراءة المتملّية الحصيفة ودراسة مواطن الإبداع والاجتهاد فيه فإنّنا نرى من واجبنا التفاعل مع هذه الوثيقة التاريخية والتعبير عن موقفنا منها حتّى وإن كانت لا تعدو المقترح الذي قد يحظى بالتصديق من مجلس نوّاب الشعب وقد لا يظفر بذلك
أوّل ما نودّ أن نستهلّ به رسالتنا هو التعبير عن جزيل شكرنا ووافي امتناننا وتقديرنا لهذه اللجنة على إنجازها هذا التقرير النفيس الذي يمثّل منعرجا مهمّا في تاريخ تونس سواء من حيث الاجتهاد في التشريع أو من حيث السعي الظاهر إلى إرساء قواعد التعامل المدني في المجتمع ، إنّ اللجنة إذ أقدمت على ما استعصى على غير التونسيين من ذوي الفكر والنباهة الحضارية قد فتحت الباب واسعا نحو ترشيد الحراك الاجتماعي التونسي فانتقلت به من مستوى الانفعال الوجداني وردود الفعل الميدانية إلى مستوى التعقّل والتنظير الذي يذهب إلى ما يؤسس لمشروع مجتمعي جديد فتصدّت للتشريعات تطوّرها وتنفي عنها تناقضاتها وتحيّنها لكي تجعلها مستجيبة لنداء الحياة الجديدة التي يعرفها عالم اليوم وقرأت التاريخ قراءة متنوّرة بتنوير المنير فيه وتصحيح ما حرّف منه وتوضيح ما التبس في بعض منعطفاته أنجزت ذلك صادقة في مطلبها مخلصة للإنسان بما هو إنسان
إنّ لجنة الحرّيات والمساواة وضعتنا اليوم بثمرة جهدها الفكري الذي بين أيدينا على عتبة ثورة ثقافية هي رأس كلّ إصلاح ومناط كل من رام التقدّم والرقيّ ولعلّ الذي جعلها تفلح في ما انتوته من عملها وحسب المستخلص من قراءتنا أنّ رائدها في مسعاها كان مقصدا واحدا هو الحرّية فصدق فيها قول  » كوندورسيه  » :  » لا تصدق كلمة (ثورة) على حراك اجتماعي إن لم يكن هدفه الحرّية وما لم يكن مقصده الإنسان الحرّ معتقدا وثقافة ولسانا وكيانا  » وكذلك كانت اللجنة وكذلك فعلت فما العقلية الثورية إن لم تكن الفكر الذي يقود ثورة تؤدّي في خواتيمها إلى الحرّية ؟ وما القانون الثوري غير القانون الذي يحمي الثورة وينظّم إيقاعها ويسرّع في نسقها ؟ وما الإجراءات العمليّة الثورية غير تلك التي تضمن النجاح للثورة وخاصة منها جانبها الثقافي الذي يمسّ العقليات كي يحررها ممّا ران عليها على مدى قرون ؟ لقد أدركت اللجنة بواعيتها الحصيفة أنّ الحقّ لا يستمدّ قوّته على الإلزام من سلطة الإكراه بقدر ما يستمدّه من القيمة الثقافية والأخلاقية لذلك ذهبت رأسا إلى التاريخ تستنطقه وتستقرئه وإلى القانون تحيّنه بحسب مطاليب التقدّم وتبيّئه بحسب مقتضيات التديّن السليم المترشّد
لقد وقفت الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان طويلا عند مفهوم من أهمّ المفاهيم التي تقوم عليها منظومة حقوق الإنسان وعالجتها اللجنة بنجاح باهر وهو مفهوم الفرد المستقل الإرادة الذي يعيش هويته الثقافية بكلّ حرّية والتي بها يبني نفسه ويتواصل مع غيره و يعترف به إنسانا كريما أبيّا وقد قرأت هيئة الرابطة ذكاء اللجنة وحسن تعاملها مع هذا المفهوم حين جذّرته في الثقافة العربية الإسلامية حتى لا تكون هذه الثقافة ملكا لأدعياء العلم يدّعونها لأنفسهم أو ينتصبون قيّمين عليها أو أوصياء على أصحابها مثلما أحسنت اللجنة صنعا حين لاءمت بين مختلف المرجعيات الحقوقية الوطنية منها والدولية من أجل البرهنة على أنّ الفرد أصبح القيمة العليا والمرجع الأوّل في بناء سلّم القيم وهو ما يترتّب عليه كل صنوف الحقوق الشخصية والحرّيات الفردية وخاصة منها حقّ الحياة الذي يقتضي إلغاء عقوبة الإعدام وحرية المعتقد وحرية الضمير وحرية الفكر وجميعها من الحريات التي وإن نصّ عليها دستور البلاد فإنها ما زالت تحتاج إلى المعاضدة بالجهد القانوني والثقافي والمدني وهو ما كانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان سبّاقة إلى المطالبة به كأولى الجمعيات الحقوقية في تونس وعلى مدى أربعين سنة و النضال من أجله من غير كلل أو توان ولاقت اليوم من السلط السياسية والعلمية استجابة انتظرتها طويلا
إنّ لجنة تقرير الحريات والمساواة أدّت الأمانة كاملة نحو الشعب التونسي من الجهتين التشريعية والثقافية والمدنية فدافعت عن حقوق الانسان كأحسن ما يكون الدفاع وأرست ما به تكون هذه الحقوق وتستمرّ توخّت في تقريرها استراتيجية حجاجية ناجعة قوامها الأطروحة الواضحة المشتقة من روح الأنوار وأصول المدنية والتقدّم وتوسّلت لذلك جميعه الحجة المنطقية المقنعة والإحصائيات الموثوقة والشواهد التاريخية المتواترة والمقارنات الناجعة خاطبت بها العقول قبل الوجدان غايتها من ذلك الإقناع قبل التأثير فحققت في نظرنا المبتغى من دون أن ننكر أنّ في التقرير ما يستدعي مزيد النظر والتدبّر المشترك لذلك لا يسعنا في هذا السياق إلا أن نثمّن هذه الفرصة التي أتاحتها اللجنة للنخب التونسية بمختلف أطيافها كي تتفاعل إيجابيا مع التقرير بما ينير القلب ويزيد في العقل كما لا يفوتنا أن نندد بكلّ من يهمز في مروءة أعضاء اللجنة أو يغمز في كرامتهم وخاصة منهم رئيسة اللجنة الأستاذة بشرى بلحاج حميدة
وفي الختام نتقدّم بخالص الرجاء إلى سيادة رئيس الجمهورية أن يزكّي هذا التقرير وأن يستعمل صلاحياته فيسعى السعي الحازم في سبيل إرساء ما توصّلت إليه اللجنة من مشاريع قوانين وما خلصت إليه من أسس لتنمية إنسانية الإنسان والارتقاء بإحساسه بكرامته وهو معنى ثقافة الحياة التي ما فتئ الشعب التونسي يؤمن بها وأضحى جديرا بأن يكون رائدا فيها
والسلام

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
تونس في 1 جويلية 2018

عن الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
الرئيس : جمال عبد الناصر مسلّم