!…التأريخ » ليس كلامَ الشهود »

نكتب هذا النص رغم ما نعلمه من أنّ كلام المؤرخين لا يعني العامة كثيرا و لا اولئك الذين يريدون تفصيل التاريخ حسب رغباتهم و حسب غاياتهم ، العامّة يبحثون عن aamira alaya sghaierالمثير و الفضائحي و النادر و أصحاب المصالح يرغبون في تفصيل التاريخ حسب تصوراتهم و ما سيبنون عليه من شرعيّة للبقاء و التمكّن السياسي او تصفية حساب مع طرف ”ميّت-حيّ“ ، طرف من التاريخ و من الحاضر. ….السيدة سهام بن سدرين ومن عيّنها في رئاسة ”هيأة الحقيقة و الكرامة“ يغيّبون المؤرخين الممتهنين لأنهم يريدون ”كتابة التاريخ“ لتصفية حساب مع من يعتبرهم ”جماعة الغنوشي“ بالأساس ”أعداءًا“ عقائديين و سياسيين ( الدستوريين و خاصة الحبيب بورقيبة)، و البروز بمظهر ”الضحايا“ و ”المجاهدين الدائمين“ ” من أجل ”العقيدة“ و ”الوطن“ و ”الهوية العربية الإسلامية“…و هنا تستنجد الهيأة بشهّاد فعليين ،يتحدثون عن تجربتهم.المجال لا يسمح هنا بتعداد ما يعطيه المؤرخون من قيمة للشهادة الشفوية و ما هي نسبة اضافتها ل ”الحقيقة التاريخية“ ، فقط نذكر انّ“ الشهادة“ ليست هي التاريخ ، هي ”جزء من تجربة فردية لشخص“ خاضعة لكل ما يُنتقص في الذاكرة من نسيان و انتقائيّة و حذف و زيادة و غربلة وتأثّر و جهل بالكل و بالخاص ومن رغبة في الثأر من واقع او من أشخاص أو من غاية في تضخيم الذات و اكتساب دور البطولة او الضحية المطلقة….الشهادة ضرورية للمؤرخ لكن ليست هي التاريخ. التاريخ علم له منهجيته و شروط بحثه و كتابته لا مجال هنا في التفصيل فيها. فقط نعلّق على موضوعين قدمتهما الهيأة . الأول : في اضطهاد اليوسفيين ( و نحن الذين اطلعنا على مئات الشهادات الشفوية و عشرات الآلاف من الوثائق الأخرى المكتوبة او المصورة من ارشيفات مختلفة و كتبنا في هذا المبحث) نقول أن ما قُدّم حول ”اضطهاد اليوسفيين“ من بورقيبة هو جزء من ”الحقيقة التاريخية“ و ان الاضطهاد و القتل و التآمر كان متبادلا بين الطرفين و ان من قتلهم اليوسفيون بالذبح (23 شخص ذبحوا من صف بورقيبة) هم اكثر ممن اعدمهم ”قضاء بورقيبة“ من مناصري صالح بن يوسف!! و ” على فكرة“ صالح بن يوسف لم يكن لا اسلاميا و لا قوميّا ! الموضوع الثاني : في اضطهاد جماعة الإخوان (الاتجاه الاسلامي ثم النهضة ): صحيح ان تعديات جدت على حرمة الكثيرين منهم و الكثيرين اضطُهدوا بدون وجه حق لكن ما لم يظهر في الصورة هو ما ارتكبه المنضوون لهذا التيار الاسلامي من تفجيرات و اعتداءات بالعنف و بالماء الحارق و تشليط مؤخرات النساء و وضع الخطط لقلب النظام و التسلل لأجهزة الدولة و التسلح لفرض نظام مجتمع يرونه اسلامي على عموم التونسيين…و هل يوجد نظام في العالم لا يدافع عن وجوده بالمحاكمات و حتى بالإعدامات في دول الاستبداد و حتى في الدول الديمقراطية؟…هذا ليس تبريرا للتعسف في حق الأبرياء و لا كذلك تبرئة لحكم بورقيبة من التعديات عن الحريات و استعمال القضاء في معاقبة معارضيه السلميين. تونس تخسر بما تقدمه هيأة بن سدرين فرصة تاريخية للكشف الفعلي و الموضوعي عمّا عرفته بلادنا من انتهاكات و ظلم ، لنفهم الواقع و نقف عند الأسباب الحقيقية لما صار و نقلب صفحة الماضي و نبني على جديد نتصالح فيه مع ماضينا ، لا ان ننصب محاكم تقاضي و تغيّب المتهمين و تنطق بالأحكام جزافا

عميره عليّه الصغيّر
مؤرخ

سهام بن سدرين تدعو المؤرخين لاعادة كتابة تاريخ تونس
و نحن ندعوها أن تهتم باختصاصها ان كان لها اختصاص 

اضغط هنا للإطلاع على المراجع